سؤال التطرف

0

[images5PGJ16NQ 

 المصادر الدينية للتطرف

 

 

“إدارة التوحش هي المرحلة القادمة التي ستمر الأمة، وتعد أخطر مرحلة فإذا نجحنا في إدارة هذا التوحش ستكون تلك المرحلة بإذن اللههي المعبر لدولة الإسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة، وإذا أخفقناأعاذنا الله من ذلكلا يعني ذلك انتهاء الأمر ولكن هذا الإخفاق سيؤدي لمزيد من التوحش..!!

 

ولا يعني هذا المزيد من التوحش الذي قد ينتج عن الإخفاق أنه أسوأ مما هو عليه الوضع الآن أو من قبل في العقد السابق (التسعينات (وما قبله من العقود بل إنَّ أفحش درجات التوحش هي أخف من الاستقرار تحت نظام الكفر بدرجات “.

                                                 ( ابو بكر ناجي – إدارة التوحش )

 

 

إذا كانت كل الديانات؛ بلا استثناء تدعو الى التسامح والمحبة والسلام، فلماذا لا يوجد سلام على الأرض ولماذا تنتشر الفوضى والحرب والقتال والتطرف والإرهاب؟، ولماذا يتم مسخ الأخر المعارض الى الشر المحض، ولماذا يقتل البشر بعضهم بعضاً باسم العقيدة والمذهب والدين؟!

 

وهل صحيح؛ كما كان يُحاجج (هربرت ماركوز) منذ بداية هذا القرن أن “كل ما يمارس اليوم تحت اسم التسامح هو، في معظم تجلياته الواقعية يخدم اسباب الاضطهاد”؟

 

أعترف أنّ هذا السؤال الملتبس هو ما بات يقضّ مضجعي، منذ أن بدأت في العقد الماضي أقرأ في الديانات المقارنة محاولا الاستدلال على الأسباب التي تدفع البشر لقتل بعضهم، ولماذا تلجأ الجماعات البشرية إلى الدين لتبرير أعمالها الإرهابية كقطع الرؤوس وحرق البشر وهم أحياء مثلما فعلت مع الطيار الاردني معاذ الكساسبة أمام وسائل الإعلام كما تفعل القاعدة والتنظيمات المتفرعة عنها مثل داعش أو قطع الأصابع كما فعلت طالبان أفغانستان مع الذين شاركوا في الانتخابات أو طالبان باكستان بقتل (132) طفل في مدرسة في بيشاور أو خطف النساء والفتيات كما فعل تنظيم (بوكو حرام) في (نيجيريا)،و داعش في العراق ، وما الذي يدفع البشر إلى التطرف والارهاب؟

 

وكيف يصوغ الدين علاقاتنا مع انفسنا، ومع الآخر، وقد يحاجج قائلٌ مُنبت بأن كل اتباع الديانات خاصة السماوية قد فعلوا ذلك في فترات مختلفة من الزمان والمكان، لكن السؤال لماذا يفعلها اتباع الدين الإسلامي بهذا الشكل وهذه القسوة رغم أن أتباعه ما انفكوا يدّعون بأنه دين المحبة والتسامح، وبهذه الحقبة الزمنية من سيرورة العولمة؟

واعتقادي أنّ الدين الإسلامي مثل بقية الأديان -السماوية تحديداً- تحوّل مع سيرورة التطور إلى مجرد إيديولوجية مبهمة تخلو من العمق السياسي والاجتماعي، غير مركزية (وان كانت تبدو كذالك) ماضويّة متعبة شاحبة، ورخوة قابلة للتاويلات، ثم نبتت له مخالب وأنياب قواطع وسلطة مطلقة وجبروت أمتص نسغ السلطة القهريّة من النص الديني، وفي فترة مبكرة جداً من الزمن وتحديداً بعيد وفاة الرسول محمد (ﷺ) ثم تبع ذلك وبشكلٍ متسارع ٍجدا أن تحول بجهد منظم ومدروس من بعض النخب والسلطة المستفيدة وبهدف الاستمرارية في السلطة وإجازة أجندات خاصة تحفظ بقاءها، الى وحشٍ كاسر ثم إلى مسخ (فرانكشتاين) لم يفلح في إنجاب إلا “غلمان أشآم  كلهم”؛ جلبو الدمار والقهر والبؤس عبر متوالية هندسية من: الاغتيالات وقطع الرؤوس والأطراف والسَحل والتهجير القسري للبشر والنخاسة، والاغتصاب والتجارة بالاعضاء البشرية حتى تهريب الاثار التاريخية والاختطاف والإستعباد ثم العمليات الانتحارية والتفجيرات، وحرق البشر أحياء.

 

ثم نتج عن ذلك أن هذه (الإيديولوجية) المرعبّة أخذت شكلها وعمقها مع سيروة التطور وانسلخت عن الدولة كسلطة قهرية وحيدة، وأصبحت آلية أو أداة سهلة الاستخدام والتوظيف من قبل مجاميع كبيرة من الأطراف الفاعلة الدول التي تستخدمها “كقوة صلبة” في المناطق التي لا تستطيع فيها هذه الأطراف المجازفة والظهور فيها لظروف مختلفة.

 

وأنا على قناعة تامة؛ وأوافق (ماغنوس نوريل) الباحث في معهد (واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) أن أهم دافعٍ للكثير من العنف القائم على الإسلاموية هو قناعة دينية راسخة ومتينة جداً.

وأن التجارب أثبتت أن الفكرة القائلة أنّ الناشطين الذين يقودون كل هذه التنظيمات يتعرضون لغسل دماغ أو أنهم فقراء وعاطلون عن العمل هي فكرة خاطئة، ليس هذا فحسب، بل هي في غالب الأحيان طريقة ابتدعها الغرب لمحاولة التقليل من شأن الدوافع الدينية للعنف الإسلامي، وهذا هو الخطأ الذي يستمر باقترافه الغرب العلماني و(الليبرالي) الموجّه نحو الفرد، وتتمثل حصيلة ذلك في عجز متواصل عن رؤية بعضٍ من القوى المحفزة التي تكمن خلف العنف الإسلامي المتشدد والمسلح، وبذلك تزيد صعوبة التعامل مع هذا الأخير ويستحيل تقريباً تغيير ولو بنسبة ضئيلة من هذه النزعة التي لا تنفك تشهد مغادرة الأفراد من الغرب للانضمام للجهاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكذلك في آسيا الغربية والوسطى.

 

إن الدين حينما يلتبس السياسة أو العكس، يتحول الى منتجٍ مدمر وتبتعد الأسباب الأخرى للتطرف والغلو والإرهاب إلى الوراء، ذلك أنّ هناك كثيراً من الدول والمجتمعات التي تعاني الفقر والفاقة، وتتردى بها مؤشرات التنمية بيد أنها لا تعاني التطرف والغلو والإرهاب في المقابل، وهناك دول ومجتمعات أخرى تتربع على قمة مؤشرات الرخاء الاقتصادي والتنمية وتعاني من الإرهاب الداخلي أو المحلي أو الإرهاب ذي المنشأ المحلي وهي عرضة ومكشوفة للإرهاب العالمي.

 

كل ذلك نتيجة أن الدين -بشكلٍ عام– عبر ادعاء القداسة واحتكار الصواب هو الأكثر قدرة على إنتاج سلسلة تداعيات لا نهائية من النرجسية والأنانية والكراهية وبناء جدران صلبة وسميكة وعالية من التمييز بين البشر في مصفوفة معقدة من نحن، والآخر ونحن وهم وهكذا.

 

والحقيقة أن التطرف يزدهر عبر استغلال معاناة الناس ويأسهم، ثم إنّ الصراع والتطرف الديني يهدد الإنسانية جمعاء بمساعدة آليات العولمة وخاصة (التكنولوجية)وخطورة المنظومة الفكرية المتطرفة التي تحرك الجماعات التكفيرية التي تكمن في شعبيته الواسعة جداً وفي إجماع الشباب عليه ضمن مجموعات عالمية متخطية للحدود الوطنية وتتمتع بالتمويل الواسع المتعدد المصادر ولديه القدرة الهائلة والمستمرة على الإقناع والتجنيد وذلك بفضل آليات العولمة التكنولوجية.


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply