التواصل الاجتماعي

0

مراجعة كتاب التواصل الاجتماعي

تأليف : الأستاذ الدكتور حلمي ساري

ساري لـ الأنباء الإعلام السلاح الأكثر فتكاً وإيلاماً ودعماً لرواد التغيير السياسي

 

صدر عن دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع كتابا جديدا في علم الاجتماع والإعلام  للأستاذ الدكتور حلمي ساري بعنوان التواصل الاجتماعي . يعد هذا الكتاب عملا موسوعيا جامعا في مجال الاتصال  والتواصل الاجتماعي بين الناس في مجالات الحياة المختلفة . لقد استطاع المؤلف الإحاطة بأبعاد الظاهرة الاتصالية بكل أبعادها النفسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية؛ إذ قلما نج، برأيي ،  كتابا في المكتبة العربية في علم الاتصال يغطي هذه المجالات كلها . ويعي المؤلف ذلك، فنجده يؤكد في مقدمة الكتاب على ندرة الكتب والأعمال التي تحيط بالتواصل الاجتماعي بهذه الأبعاد.

إن رؤية المؤلف للاتصال الانساني رؤية شاملة ، لا تقتصر على بعد واحد كما تفعل العديد من الأعمال الموجودة في المكتبة العربية ، بل هي رؤية ” محيطية ” . وقد ساعد المؤلف في هذه الإحاطة خلفيته الأكاديمية في علم النفس الاجتماعي والاجتماع والإعلام وذلك  كما جاء في تعريف دار النشر به على غلاف الكتاب. إن رؤية الآخرين للاتصال والتواصل الاجتماعي  ، كما هو موجود في المكتبات العربية  ، رؤية ضيقة  يكرر بعضها بعضا . وأما رؤية المؤلف في هذا العمل فقد تجاوزت المألوف ، إنها ، برأيي  المتواضع ، رؤية أنها  علمية – أكاديمية  ثرية وموسوعية في مجال علم التواصل الاجتماعي .

ففي الفصول الاثني عشر التي يتألف منها هذا العمل والتي امتدت لتشمل ( 455 صفحة ) نجد المؤلف يغطي جميع جوانب التواصل الاجتماعي ، فهناك  فصل تمهيدي يستعرض فيه المؤلف الروى المختلفة والأبعاد المتعددة لمفهوم التواصل الاجتماعي وطبيعته  ، كما نجد فصلا آخر يعود فيه المؤلف إلى حفريات  العملية الاجتماعية المعروفة بالتواصل منذ أن كانت تعتمد على الاشارات إلى أن أصبحت تعتمد على الأقمار الاصطناعية . وهناك فصل آخر أفرده المؤلف لمستويات التواصل ، وبخاصة المستوى الثنائي  بين الأفراد . ويوضح  المؤلف في هذا الفصل طبيعة العلاقات الحميمة في هذا المستوى من مستويات التواصل ( الصداقة ، الخطوبة ، االزواج)  ومراحل تكوين هذه  العلاقات ومراحل تدهورها أيضا.

ونجد فصلا آخر في هذا العمل خصصه المؤلف للحديث عن ظاهرة نفسية واجتماعية   في غاية الأهمية وهي “البوح عما في النفس والافصاح عن مكنوناتها. وهذه الرؤية  ، بنظري ، لم يلتفت إليها أحد ممن بحثوا في مجال التواصل  بين الناس؛ حيث يعتبر المؤلف أن عملية البوح بين الأفراد  هي شكل  خاص من أشكال التواصل الثنائي  ، وهي في الوقت نفسه ضرورة نفسية واجتماعية لا غنى لنا عنها. ويزودنا المؤلف في هذا الفصل ، بالأسس النفسية والاجتماعية والثقافية التي تتحكم بهذا النوع من التواصل ، وبالمهارات الضرورية  اللازمة لإنجاحها.

ومن الفصول الأخرى  المهمة في هذا العمل  الفصل المخصص للذكاء العاطفي ، فهذا الفصل ، برأيي الشخصي ، من الفصول التي أعتقد أنها جديرة بالقراءة والتوقف عندها .ففيه يطرح المؤلف رؤية جديدة للذكاء العاطفي ، حيث نجد العديد من المؤلفين يدرج هذا الموضوع ضمن موضوعات علم النفس، ولا يراه إلا من هذه الزاوية . إلا أن  المؤلف له رأي آخر ؛  حيث نجده يوسع من دائرة هذه الرؤية ليجعل منه موضوعا من موضوعات التواصل الاجتماعي المهمة والأساسية في الحياة الاجتماعية ، ففي رأيه ، ان  تفوقنا في أعمالنا كلها، ونجاحنا في تواصلنا مع الآخرين بشتى مجالات الحياة  يتوقفان  إلى حد كبير على امتلاكنا لمبادئ الذكاء العاطفي ومهاراته . وفي هذا المجال ” ينحت ” المؤلف بعض المصطلحات اللافتة للنظر ، مثل : الفصاحة العاطفية  والأمية العاطفية والتصحر العاطفي والخرس العاطفي واحتضان المشاعر. ويؤكد المؤلف في هذا الصدد أن كثيرا من العلاقات الزوجية، على سبيل المثال ،  انما تفشل بسبب نقص النضج العاطفي وتدني مستوى التعبير العاطفي والذكاء العاطفي عند أحد الزوجين أو عند كليها.

ومن الفصول الأخرى الجديرة بالقراءة والاهتمام  الفصل المتعلق بالتفاوض. ففي هذا الفصل رؤية جديدة للتفاوض لم يتطرق إليها ممن كتب في هذا الموضوع، لقد  جهد المؤلف على  اخراج التفاوض من الدائرة الضيقة المرتبطة بأذهان الناس وهي الدائرة السياسية. فالتفاوض ، عنده ، عملية اجتماعية وثقافية وأخلاقية ومعرفية ونفسية تشتمل  على أبعاد الحياة كلها. وهنا نجده يطلب منا أن نعيد النظر في مفهوم التفاوض وبخاصة ما يتعلق بمفهوم  القوة المادية  في المفاوضات . ويوظف المؤلف  بعض القصص من الميثولوجيا الغربية والملاحم العربية  ليوضح  من خلالها مفهوم القوة الذي يدعو إلى التمسك به في المفاوضات والتفاوض مع الآخرين، وهو المفهوم الإدراكي . يقول المؤلف : القوة عملية إدراكية وتصورية  تعتمد على كيفية رؤيتنا  لأنفسنا ، وكيفية رؤيتنا للآخرين. إن هذه الرؤية، كما يؤكد،  تحدد إلى حد كبير  نجاحنا في كل ما نقوم به من أعمال وأفعال  في مجالات الحياة كافة  .إن  القوة المادية وحدها ، كما يقول ، لم تكن هي العامل الوحيد في الانتصارات العسكرية كما يعلمنا التاريخ . فهناك مصادر أخرى عديدة للقوة ، يعددها المؤلف. إنها مصادر جديرة بالتوقف عندها لأنها تجعلنا نعيد النظر في كثير من المسلمات حول مفهوم القوة.

ومن الفصول الأخرى في هذا العمل الموسوعي الفصل الخاص بالمجتمع الشبكي العالمي. ففي رأيي،  يعد هذا الفصل من الفصول المهمة للغاية لأن المؤلف يستعرض فيه معرفته المتخصصة  والغزيرة في الإعلام والمجتمع . يحدد المؤلف في هذا الفصل خصائص المجتمع الشبكي العالمي  من منظور عالم الاجتماع مانويل كاستلز ، ويطرح فيه رؤية حديثة لدور الإعلام في هذا النوع من المجتمعات. إنه فصل لا بد من قراءته لأنه يشتمل على  قراءات واضافات حديثة  في مجال التواصل الاجتماعي لا بد من التوقف عندها ، وبخاصة الأجزاء المتعلقة  بالمجتمعات الافتراضية ورأس المال الاجتماعي الافتراضي ورواده ، وبخاصة بورديو وكولمان ، والمجال العام الافتراضي واسهامات عالم الاجتماع هابرماس في هذا المجال.

ومن الفصول الأخرى التي أدعو القارئ الكريم إلى قراءتها بروية الفصل المخصص لطرق تواصل الناس فيما بينهم  . ويذكر المؤلف أكثر من مسلك وطريق في هذا الصدد ( العدواني ، الملتوي، العقلاني …. ) . غير أنه يخصص القدر الأكبر من هذا الفصل لأسلوب التواصل الحازم. ففي هذا الجزء يحلل المؤلف هذا الأسلوب الفاعل والناجح في التواصل مع الآخرين . إن هذا الجزء  من العمل هو بحق اسهام  نوعي في مجال التواصل الاجتماعي ، لم يتناوله الكتاب في مجال التواصل الاجتماعي.

واما الفصل الخاص بالتواصل عبر الجسد، فأعتقد أنه فصل مميز بكل ما تحمله كلمة تميز من معنى. لقد استطاع المؤلف أن ينظر إلى لغة الجسد باعتبارها خطاب تواصل بين الناس، ويحلل كل مفردة من مفردات خطاب الجسد ، وبشكل خاص لغة العيون ولغة الحيز المكاني ، أي المسافة التي تفصل بين أجسادنا حين نتواصل مع بعضنا بعضا.

وفي نهاية هذا الاستعراض المختصر، أود أن أؤكد أنني كنت انتقائيا في اختياري لبعض الفصل، والتي لا تعني بأي حال من الأحوال أنها أفضل من غيرها ، وانما شدتني موضوعاتها وأسلوب المؤلف في معالجتها ، ففصول العمل  التي امتدت على اثني عشر فصلا ، تضيف الكثير في مجال المعرفة المتعلقة بظاهرة التواصل الاجتماعي ؛ إذ يطرح المؤلف في كل فصل منها رؤية جديدة لهذه الظاهرة،   ويضيف اضافات جديدة أحسبها نوعية في علم التواصل الاجتماعي.  إنه كتاب جدير بالقراءة والاقتناء.

هذا ولا يفوتني الاشارة الى أن الأستاذ الدكتور حلمي ساري هو أحد أهم القامات المعرفية في الأردن والوطن العربي ، وأحد أهم أعضاء الهيئة الاستشارية لمركز شرفات للدراسات وبحوث العولمة والارهاب في الاردن .

 

مراجعة الدكتور سعود الشرفات/ مدير مركز شرفات للدراسات وبحوث العولمة والارهاب

 


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply