مؤشرات الإرهاب  (Terrorism Index)

0

11-september 

صحيح أن الإرهاب نعرفه عندما نراه . لكن التعامل مع خطورة الإرهاب العالمي المعاصر باتت بحاجة ماسة إلى مقاربات استشرافية لكيفية بناء نماذج صارمة ،محايدة ،واضحة ، معبرة ، بسيطة وبعيدة عن الانطباعات الشخصية والرغائبية ،ويعتمد عليها في الإنذار المبكر لإمكانية وقوع العمل الإرهابي لأن الإرهاب المعاصر بمساعدة آليات العولمة المختلفة بات يؤثر في كافة مناحي الحياة اليومية للبشر ولم يعد من المقبول انتظار  رؤية الإرهاب وهو يدمر الدول والمجتمعات وحياة البشر .

وتعد عملية بناء المؤشرات الخطوة الأولى والأهم في عملية الإنذار المبكر وتحليل المخاطر وبناء الخطط والتكتيكات والاستراتيجيات لكيفية التعامل ومكافحة  ظاهرة الإرهاب العالمي . وهي على درجة عالية  من الأهمية بالنسبة لمنظومة طويلة من العمليات والنشاطات الحساسة للدول والمجتمعات والأفراد في حقبة العولمة الحالية وفي المستقبل ابتداء من السياحة والسفر ، الاستثمار الخارجي والداخلي ، بيئة الأعمال ، التعليم العالي ، حتى الهجرة واللجوء .

ولا نغالي إذا قلنا إن الجزء الأكبر من مشكلة دراسة الإرهاب العالمي الآن  يتمحور حول إشكالية تحديد مؤشرات الإرهاب “الكمية”، وتأتي طبيعة هذه الإشكالية من جوهر مفهوم الإرهاب نفسه، واختلاف وجهات النظر حوله، وسيطرة وجهة النظر الغربية والأمريكية تحديداً في حقل الدراسات والأبحاث في هذا المجال.

ولأن هجمات الحادي عشر من أيلول 2001م أدينت على نطاق واسع عالميا ، ولم يعد من السهل التسامح السلبيّ مع الإرهاب، أو التغاضي عنه من قبل الجهات الرسمية في العالم،   فقد استغلت أمريكا هذا الوضع، فقولبّت دراسة الإرهاب بشكل عامّ، والمؤشرات بشكل خاصّ، بمنهجيتها الخاصة التي يمكن القول بأنها المنهجية الأبستمولوجية السائدة حالياً، ألا وهي “الوضعية” بتجلياتها المختلفة، سواء الواقعية الجديدة، أو الليبرالية الجديدة، ومقاربات الرئيس الحالي باراك اوباما (الهجينّة) التي تستقي من كافة الأطياف السياسية الأمريكية المعاصرة .

والإرهاب ؛ فعلٌ ذو خلفية وأبعاد سياسية، وهو ليس إلا شكلاً من أشكال العنف واستخدام القوة، ويخضع تعريفه ومعالجته ومكافحته، وتميزه عن غيره من أشكال العنف الأخرى إلى اعتبارات سياسية محكومة بالبيئة السياسية الدولية والظروف التاريخية والموضوعية السائدة، وهو في ذلك كله مرتبط بقيمة الأمن التي تعدّ إحدى القيم الأساسية في العلاقات الإنسانية، وموضوعاً جوهرياً في النظرية السياسية، على الرغم من تعرضه للإغفال من جانب منظّري العلاقات الدولية في المدرسة “الوضعّية” التي أغرقته في بحر من المسائل الغائية، مثل: استراتيجية الردع، والسياسة الدفاعية، ودبلوماسية الإكراه والقسر، ومدارس “ما بعد الوضعّية” التي تخلط ما بين الأخلاق والإيديولوجيا.

ونقصد بمؤشرات الإرهاب تلك المؤشرات الخاصة بالقياس الكمّيّ (القياس الذي يعتمد الإحصائيات والأرقام ) للظاهرة، ويستخدمها الباحثون والمهتمون والخبراء، إن على مستوى الأفراد أو مراكز الدراسات والأبحاث الحكومية أو الخاصة، أو مراكز الأبحاث الجامعية أو الدراسات الأكاديمية المتخصصة التي نشطت بشكل منقطع النظير بعد هجمات 11 أيلول 2001م على الرغم من إجماع الباحثين على أن دراسة ظاهرة الإرهاب ليست بالجديدة أو الحديثة، لكنه ولأسباب كثيرة أصبح الخطر الذي يشكله الإرهاب العالمي خاصة بعد ظهور القاعدة وداعش حاليا،  أكثر من ذي قبل .

ويلاحظ بأنه على الرغم من أهمية ظاهرة الإرهاب واتجاهاته المعاصرة إلا أنه لا تتوافر لدى الخبراء والباحثين والدارسين للظاهرة مؤشرات  يعتدّ بها من حيث الشمول والمصداقية ، ذلك أن هناك عدداً من الإشكاليات تعيق، وتعقّد من مسألة بناء المؤشرات، وأهمّ هذه الإشكاليات أن معظم المعلومات عن الإرهاب تأتي من المصادر المفتوحة (الصحافة وكافة وسائل الإعلام  الأخرى)، وفي حالات محدودة من مصادر رسمية، لذلك فإن مسألة إجراء “دراسات كمية (Empirical ) للظاهرة أو بحث مسائل ـ مثل: دوافع الإرهاب، الخصائص النفسية للإرهابيين واتجاهات الظاهرة الجغرافية ـ غير موجودة، فضلاً عن بناء مؤشرات لها، وبشكل عامّ فإن المتوافر من معلومات وبيانات لدراسة الظاهرة أو بعض الأحداث الإرهابية لا يعدو أن يكون تقارير صحفية وسجلات الشرطة أو الأمن، أما المعلومات والبيانات الصحيحة والموثقة والدراسات حولها فإنها تحفظ في خزائن الأجهزة الأمنية والمخابرات بشكل سريّ، ولا تصل إلى أيدي الباحثين المهتمين (إلا ما ندر ) بذريعة حماية الأمن القوميّ.

هذا بالإضافة إلى مشكلة تداخل حقل الإرهاب مع حقول أخرى من الدراسات، مثل علم النفس، والاجتماع، والاقتصاد، والعلوم السياسية، وعليه، فليس هناك نظريات خاصة بدراسة الإرهاب كظاهرة ، كما أن معظم الدراسات حول الإرهاب تعاني من الضعف والضحالة المنهجية، وليس هناك أيّ نموذج نظريّ متماسك لدراسة الظاهرة وبناء المؤشرات .

وما يزيد من الصعوبة والإشكالية في بناء المؤشرات استمرار النظرة السطحية للظاهرة بشكل عامّ، أو حتى التقليل من شأنها، واستمرار “المناظرات” حول التقليل من دور الإرهاب وتأثيره على “بنية الدول وسلوكها “، واستمرار الجدل والنقاش  حول سيطرة الدولة، والبقاء في فضاء “النظرية  الواقعية” في السياسة .

ويتجلى اثر النظرية الواقعية السياسية المسيطرة في أمريكا بأنه يصعب تقريبا أن تجد دراسة جدّية تبحث في أثر الإرهاب على الأفراد، وبدلاً من ذلك فإن الأعمال الإرهابية ومؤشراتها تمّ التعامل معها كأنها من الكوارث الطبيعية (Natural Disaster) ، فعلى سبيل المثال تعاملت الإدارات الأمريكية مع أحداث إرهابية شهيرة  مثل: تفجير مركز التجارة العالميّ، وتفجيرات مدينة أوكلاهوما، و أحداث الحادي عشر من أيلول، وغيرها الكثير بالعقلية  نفسها؛ أي كأنها هزة أرضية، أو فيضان، أو إعصار . كذلك  تتردد وتتجنب السياسة الأمريكية ؛ قدر المستطاع في وصف عمليات الإرهاب الناشئ محليا ، وعمليات ما يسمى بالذئب المنفرد  والجماعات المتطرفة ( مثل الأمة الآرية )بأنها إرهاب داخلي ، وبدلا من ذلك توصف بأنها جرائم كراهية .

ثم ؛ هناك مشاكل ومعيقات أخرى تحول دون إجراء الدراسات العلمية للإرهاب وبناء المؤشرات، مثل الفصل بين إرهاب الدولة وإرهاب المجموعات والأفراد ضد الدول، ومعظم الدول تعطي نفسها حق الردّ على العمليات الإرهابية باسم “الحق في الدفاع عن النفس”، وحماية المصالح الوطنية، وتحرم غيرها من هذا الحق، لذلك يرتبط بهذه النقطة بالذات أن الكثير من دراسات الظاهرة تركز على الإرهاب الدوليّ ، لذلك كله فإنه وكما كان مفهوم الإرهاب مثار خلافٍ وتباين كبير فإن مؤشرات الإرهاب” تحمل هذا التباين نفسه.

 

 

الدكتور سعود الشرفات

مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب – عمان

 


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply