أطراف العولمة Globalization Actors

0

 

يرى الباحث (اكيرا إيراي) أن العلاقات بين الشعوب المختلفة لم تعد تتم عن طريق محاربة العولمة الرأسمالية، والدفاع عن الشعوب الفقيرة، وعليه فإنه لا يمكن فهم العلاقات الدولية إذا لم تأخذ بعين الاعتبار الأطراف الفاعلة([1]).

ويؤكد بيتر ويلتس(2004 , Willttes) بأن العادة جرت أن ينظر لموضوع العلاقات الدولية على أنها معالجة للعلاقات بين الدول بالدرجة الأولى، أما المنظمات الاجتماعية المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني، والهيئات الاقتصادية والمصارف والشركات متعددة الجنسيات، فقد صنفت في الدرجة الثانية من الأهمية باعتبارها أطرافاً فاعلة من غير الدول، ولكن واقع الأمر يدفع باتجاه عكس ذلك، بالنظر إلى ذلك الغموض الذي يكتنف مفهوم الدولة ومعانيها المختلفة، فهل هي شخصية اعتبارية، أم مجتمع سياسيّ، أم حكومة؟ ثم إن الحكومات تفقد سيادتها واستقلالها السياسيّ في حال تعرضها لهجوم المجرمين والإرهابيين والعصابات المنظمة، وفي سماحها للنشاطات الاقتصادية للشركات المتخطية للحدود الوطنية بالعمل على أراضيها، وبناء عليه فإنه لا يمكن فهم الأحداث الجارية في أي منطقة في العالم اليوم إلا من خلال ” تحليل العلاقات بين الحكومات وعدد من الإطراف الفاعلة الأخرى من كل دولة، وتلعب الجماعات المسلحة وعصابات الإجرام المختلفة- بالرغم من عدم شرعيتها في النظام-  والشركات المتخطية للحدود الوطنية، والمنظمات غير الحكومية، دوراً نظامياً في السياسات العالمية، وتتفاعل مع حكومات الدول المختلفة.

لذلك نرى أن ويلتس (2004 ,Willttes) يؤكد الادعاء بأن التمحور حول الدولة، وأنها وحدها التي تملك قوة التأثير، هو انحياز تحليلي غير مقبول، وأن هناك طرحاً أكثر شمولاً يعرف” بالتعددية “، يقوم على أن كل أصناف الأطراف الفاعلة، يمكن أن تؤثر في النتائج السياسية([2]).

وأن هناك أهمية لتحديد المفهوم والتفريق بينه وبين مفهوم آخر” مراوغ ” هو الأطراف الفاعلة من غير الدول” باعتبار أن هذا المفهوم يتمحور حول الدولة، لذالك ابتكر الأكاديميون مصطلحا بديلاً وهو (Transnational)” المتخطي للحدود الوطنية ” بهدف التأكيد بقوة على أن العلاقات الدولية لا تقتصر على الحكومات وحدها([3]).

وبناء عليه يعرف ويلتس (Willittes) المفهومين أعلاه على النحو التالي:

  • الطرف الفاعل المتخطي للحدود الوطنية (Transnational Actors) هو كل طرف فاعل غير حكوميّ من أيّ بلد له علاقة مع أيّ طرف فاعل آخر من بلد آخر، أو منظمة دولية.
  • الطرف الفاعل من غير الدول (Non-State Actors) هو أيّ طرف فاعل باستثناء الحكومات.

وتقسم الأطراف الفاعلة المتخطية للحدود الوطنية بناء على نظاميتها وشرعيتها إلى قسمين هما:

أ – الأطراف الفاعلة المتخطية للحدود الوطنية التي تتمتع بالشرعية، وتشمل المنظمات غير الحكومية التابعة لدولة واحدة، الأحزاب السياسية، والشركات المتخطية للحدود.

ب.  الأطراف الفاعلة المتخطية للحدود الوطنية غير الشرعية وتشمل أخطر الأطراف مثل: الإرهابيين، ورجال العصابات، وحركات التحرر.

وتأتي خطورة هذه الأطراف نظراً لما أصبحت تشكله من تهديد للسلام العالميّ،  وتأثيرها الكبير في العلاقات الدولية، وبخاصة بعد احتلال العراق، وأفغانستان، وإعلان الحرب على الإرهاب العالميّ، وتحوّل تهديد الإرهاب إلى تحدّ وصراع سياسيّ لا يمكن حلّه باستخدام الوسائل العسكرية وحدها.

وبالرغم من أن دراستنا تتناول الأطراف غير الشرعية، إلا أننا سنعرض بإيجاز شديد لهذه الأطراف كما يلي:

  • الشركات المتخطية للحدود الوطنية (TNCs): ويعرّف ويلتس(Willttes) هذه الشركات بأنها “الشركات التي لها شركات تابعة في دولة أجنبية”([4]).

وقد تغيرت طبيعة هذه الشركات بسبب عولمتها، وكان لزيادة عدد هذه الشركات وتوسع نشاطاتها، وتعقد عملياتها كبير الأثر على السياسة الدولية، وزيادة تعقيد العلاقات بين الحكومات، بحيث أدّت إلى خرق سيادة معظم الحكومات.

  • المجموعات غير الشرعية وحركات التحرير بوصفها أطرافاً سياسية فاعلة  Non-Legitimate Group And Liberation Movement As Apolitical Actors

وتنقسم إلى قسمين هما:

القسم الأول: المجرمون وعصابات الإجرام التي تتخطى الحدود الوطنية

وتمارس أعمال القتل، والسرقة، والتزوير، والاتجار بالمخدرات، والتهريب،  والعنف العشوائيّ، وتجارة الأسلحة، حيث تقف تجارة الأسلحة، والمخدرات غير الشرعية على رأس أهم الأعمال التي يمارسها المجرمون، باعتبارها الأهم من الناحية السياسية؛ لما لها من تأثير على الدول وعلى التجارة الدولية، ثم يأتي في الأهمية الاتجار بالسلع المسروقة غالية الثمن، التي تتركز في المجوهرات أو رقائق الكومبيوتر، وذلك نظراً لسهولة إخفائها، وحملها، والعبور بها عبر الحدود، كما برزت قضية القرصنة المتعلقة بالملكية الفكرية،  والاتجار بالسلع المزيفة على نطاق عالميّ([5]).

لقد ساعدت العولمة على تقليل الحواجز في وجه عمليات التهريب المتخطية للحدود والتجارة غير المشروعة، التي يطلق عليها أحياناً التجارة السوداء حتى بات التهريب العالميّ يهدد الاقتصاد العالميّ، وقد أشارت إحدى الدراسات الهامّة في هذا المجال، ونشرت عام 2005 إلى عدد من المؤشرات على خطورة هذه الظاهرة، ومن أهم الأمثلة على ذلك ([6]) ـ حسب إحصائيات نشرت في بداية 2005 صادرة عن معهد الاقتصاد العالمي، ومقره واشنطن ، وعلى الرغم من إجراءات منع غسيل الأموال الصارمة التي اتخذتها الدول بعد هجمات 11 أيلول 2001- أنه وجد أن حجم تجارة غسيل الأموال زادت، وأن نسبة من يدان بهذه العمليات لا يتجاوز 5%.

وحسب رأي بعض المصرفيين السويسريين فإن ما تغير على هذه العمليات هو زيادة نسبة ما يتقاضونه على شرعنة هذه العمليات، وقد بقي حجم الهجرة غير الشرعية عبر الحدود إلى أمريكا على المقياس نفسه، أي بمقدار نصف مليون مهاجر تقريباً، حتى بعد هجمات 11 أيلول 2001، وإن حجم التجارة بالأسلحة اليدوية زاد نموه حتى وصل إلى 4$ بليون دولار، تذهب لإمداد العصابات، والمتمردين من العراق إلى الكونغو([7]).

وبينما تضاعف حجم التجارة العالمية تقريباً منذ عام 1990 من 5$ تريليون إلى 10$ تريليون،  فقد تضاعف حجم تجارة غسيل الأموال على الأقل عشر مرات، ليبلغ 1,5 $ تريليون على المستوى العالميّ، حسب بعض التقديرات، فهذه العمليات مدينة برواجها وانتشارها بشكل عالميّ للعولمة ومحركاتها المختلفة؛ فعصابات التهريب الصينية تتعاون مع عصابات كاميرونية لتهريب وبيع سلع مزورة في باريس، ونيويورك، وعصابات الإجرام الأوكرانية مع العصابات الكولومبية لاستبدال الأسلحة بالهيروين.

أما في قضية البيئة، فتشير بعض الإحصائيات الرسمية الإيطالية، إلى أن عصابات المافيا الإيطالية التي تدعى (المافيا البيئية) تقوم بالتخلص من ثلث نفايات إيطاليا بشكل غير شرعيّ، وحوّلت عملية إدارة النفايات السامة إلى مؤسسة إجرامية مربحة، محققة من ورائها أرباحاً تقدر بـ (132) بليون يورو خلال العقد الماضي، وبهذا تحولت هذه المافيا من عالم العنف إلى عالم التجارة والأعمال، وأصبح إيقاف هذا النوع من الجريمة أصعب بكثير من ذي قبل حسب تأكيد المختصين بمتابعة أعمال المافيا([8]).

القسم الثاني: مجموعات الإرهابيين، ورجال حرب العصابات المتخطية للحدود الوطنية.

هنالك كثير من المجموعات المختلفة، تبنت العنف السياسيّ، وهي تتراوح ما بين الحركات القومية ذات القاعدة العريضة، ومجموعات أخرى لها برامج سياسية، تعمل من خلال أقليات، مثل: المليشيات الموجودة داخل أمريكا، التي كانت وراء تفجيرات المباني في (أوكلاهوما)، وهناك مجموعات تعارض قضايا معينة، لكن تبقى أهم المجموعات والمنظمات هي التي تتبع لطوائف دينية معينة([9]).

ويضيف ويلتس (Willetts)  بأن صفة الإرهاب تطلق على هذه المجموعات التي ترفض المجتمع، أما المعتدل فيها فيطلق عليها تعبير رجال العصابات (Guerrillas) في حين يطلق على المناهضين لحرب العصابات اسم “حركات التحرر الوطني”، وأن نشاط حركات التحرر برزت خلال الحرب الباردة، حيث كان كل طرف يشجع الطرف المؤيد له، لكن كان هناك حرص شديد من الحكومات على عدم السماح لتلك الحركات بالقيام بعمليات إرهابية، ويحدد ويلتس أربعة شروط لشرعية اللجوء إلى العنف؛ وذلك عندما:

  1. تحظى مجموعة معينة بدعم واسع من أنصارها.
  2. توصد القنوات السياسية في وجوههم.
  3. تكون الحكومة التي يناضلون ضدها من النوع الجائر والمستبد.
  4. تكون أعمال العنف موجهة ضد أهداف عسكرية، وليس ضد ضحايا مدنيين([10]).

ويؤكد ويلتس (Willetts) بأن مفهوم الإرهاببيين هو: تعبير يقصد به الإساءة لبعض المنظمات التي تقوم بأعمال عنف، وأن التعبير يطلقه المناوئون للعمليات الإرهابية، وأن مفهوم الإرهاب يحمل دلالات على المعاناة التي يتكبدها ضحاياه من الأطفال أو غير المحاربين، وأنه يمكن إطلاق هذا المفهوم بشكل أدقّ لمن يستخدمون العنف دون تمييز، بما في ذلك الحكومات؛ لأهداف بث الرعب السياسيّ، ويلاحظ ـ هنا ـ أن هذا التعريف شمل إرهاب الدولة، وهي إشارة لم ترد في تعريفات أخرى بريطانية، أو أمريكية.

أما مفهوم رجال العصابات، فيعرفه: “أنه “تعبير حيادي” يغطي كل المنظمات التي تناضل لتحقيق أهداف سياسية، سواء أكانت هذه المنظمات تستخدم أساليب إرهاب أم لا”.

وفيما يخصّ حركات التحرر الوطنية، فهي مجموعات من رجال حرب العصابات تعمل لمصلحة أمة أو أكثر للتحرر من هيمنة حكومات تابعة لدول أجنبية، وينطوي هذا المفهوم على الاعتراف بالمنظمات، وعلى استخدامها للعنف لتحقيق أهداف سياسية ([11]) .

إن مكمن الخطر في هذا القسم ـ وكما في القسم الأول أيضاًـ  أن العمليات التي تمارسها الجماعات الإرهابية والإجرامية وغير الشرعية أصبحت- في ظل العولمة، وتبدّل طبيعة السيادة، وبخاصة النظرية التقليدية المتمحورة حول الدولة ـ عمليات بالغة التعقيد والتأثير، تنتشر عبر العالم، وأن تطور الاتصالات، والمواصلات، والمعلوماتية سهّل بشكل كبير انتقال الأشخاص، والأسلحة، والأموال، والأفكار، خارج الحدود الوطنية، في الوقت الذي عقد من جهود الحكومات وصعب من السيطرة على مثل هذه النشاطات، وجعلها تدرك حجم حاجتها للتعاون المشترك مع الخارج للحدّ من تهديد هجمات هذه المجموعات لسيادتها سواء الداخلية او الخارجية([12]).

 

[1] . بندر، توماس، نظرات حديثة للتاريخ الأمريكي لعصر العولمة، مجموعة باحثين في العولمة، 2006م، ص3، Www.Rezgar.Com/Debat

 

 

[2].          بيليس وستيف، مرجع سابق، ص ص 594-596 .

[3].          المرجع نفسه، ص 597.

[4].       بيليس وستيف، مرجع سابق، ص ص601-602 .

[5].       بيليس وسميث، مرجع سابق، 2004 ، ص 617.

[6].  Naim , Moses, “Dark Trade: How The Smuggling Of Every Thing From People To Purses Threatens The Global Economy”, News Week ,October 2005, PP.54-62.

[7]. Naim , Moses op.cit., PP. 54-62.

[8] .      نادو، باربي، ” تحت البركان الثاني: مافيا بيئية للنفايات في إيطاليا”، مجلة النيوزويك باللغة العربية، 9/11/2004، ص 26 .

[9].       بيليس، وسميث، مرجع سابق، ص 619.   .

[10].      المرجع نفسه.

[11].      بيليس، وسميث، مرجع سابق، ص ص619-621.

[12].      المرجع نفسه، ص 622.


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply