مؤشرات قياس ظاهرة الإرهاب: في سبيل بناء مؤشر عربي للإرهاب

0

 

 

 

 

 

 

 

الملخص 

على الرغم من خطورة ظاهرة الإرهاب في حقبة العولمة الحالية إلا أنه للاسف الشديد ليس هناك “مؤشرات كمية ” للإرهاب – حسب علمي- في الوطن العربي والإسلامي .

وحتى المؤشرات العالمية الموجودة عالميا والمتوفرة للباحثين أو التي يدعي البعض وجودها ليست شاملة وتعاني الكثير من النواقص والسلبيات، لكن هذا ليس مجال نقدها في هذه الورقة.

نهدف في هذه الورقة  إلى الإضافة المعرفية ومحاولة التأسيس ثم التأكيد على أهمية بناء  “مؤشر كمي” (إحصائي –رقمي ) في العالمين العربي والإسلامي للإرهاب ، في سبيل فهم وتحليل هذه الظاهرة بشكل دقيق والبعد عن الانطباعات الشخصية والتحليل الرغائبي ، ومساعدة الدول والمجتمعات والأفراد والمجتمع الدولي والعالمي في مكافحة الإرهاب .

هذه ورقة تأسيسية في هذا الحقل سبقها محاولات أخرى من قبلي وسيتبعها الكثير .

 

الأسس المعرفية للمؤشرات 

لا بد لتصميم وبناء مؤشرات للإرهاب من أسس و قاعدة معرفية ” أبستمولوجية” مناسبة تعبر من خلالها المؤشرات عن شخصيتها وتتجلى من خلالها .

يقول فيلسوف المنطقية الوضعية (رودولف كارناب) ” أن من أهم الملامح التي تميز العلم الحديث -المقصود هنا المدرسة الوضعية-، بالمقارنة بعلم العصور المبكرة، قبل الوضعية، هو تأكيده على ما يمكن أن نطلق عليه اسم “المنهج التجريبي أو المعرفة الإمبيريقية، بمعنى فهم الظواهر المختلفة عن طريق المنهج العلمي وليس عن طريق أسباب ميتافيزيقية تكمن خلف ظواهر الطبيعة والتركيز بشكل نهائي على الملاحظات. ويكون هذا المنهج مفيدا جدا في المجالات التي يمكن فيها قياس المفاهيم بدقة. بمعنى أن المفاهيم الكمية هي التي يمكن قياسها. أما اللغة الكمية فهي تعنى فيما يسمى الرموز الدالة، وهي رموز لدالات لها قيم عددية”([1]).

ولأن بحثنا  هنا يعتمد مقاربة العلوم السياسية والعلاقات الدولية ونظرية العولمة  فأننا نشير إلى أن  منظرو ورواد “المنهج السلوكي” ([2])* في العلوم السياسية والعلاقات الدولية افترضوا أن تكمّيةQuantification)) – بمعنى قياس الظواهر الاجتماعية رياضياً وإحصائياً وإعطائها قيماً رقميه – جرياً مع تقاليد المدرسة الوضعّية التي تمهد السبيل أمام بناء معادلات رياضية وإحصائية ثم مؤشرات ؛ تقلل من مراوغة الظواهر الاجتماعية بشكل عام والسياسية بشكل خاص وتجعل الباحث أكثر قدرة على فهم ملابسات الروابط غير المباشرة بين متغيرات الظاهرة موضوع البحث والدراسة .

ولعل البيئة العامة، ولا سيما طغيان السمة التكنوقراطية على أغلب ملامح الحياة وتسلل التكنولوجيا إلى أوصال البنيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كان وراء تعزيز التوجه الوضعي – السلوكي. ومع بروز” المدارس النقدية” ذات التوجهات أو الخلفيات الماركسية الجديدة ومدراس ما بعد الحداثة في مواجهة المنهج السلوكي ؛ احتدم التنافس على تفسير الموضوعات الأكثر إلحاحا في تفاعلات النظام الدولي والعالمي  وكانت ظواهر مثل العولمة ،و التطرف الديني ، والإرهاب من بين الظواهر الأكثر تعقيداً لا سيما في تكميتهما والكشف عن التأثير المتبادل بينهما([3]).

ومع مطلع القرن العشرين وانطلاق سيرورة العولمة ؛ شهدت العلوم السياسية والعلاقات الدولية  تحديداً ظهور المناظرات الكبرى بين أصحاب النماذج النظرية الثلاث( الواقعية  الليبرالية ، والنظام العالمي لإيمانويل فالرشتاين )  لتفسير السياسة العالمية أو العوالم المختلفة للسياسة في حقبة  العولمة الحالية .

ماذا نقصد  بمؤشرات الإرهاب  ؟
المؤشرات؛ بشكل عام أداة قياس إحصائية رقمية ( كمّية)أو نوعية تحوّل بموجبها الوحدات المقاسة للأحداث والظواهر الطبيعية والإنسانية  إلى وحدات وأرقام . وتستخدم المؤشرات عادة  لغرضين أساسيين :

الأول: تحديد حجم المشكلة و قياسها قياسا دقيقاً للوقوف على الوضع الراهن لها.

الثاني: استخدام المؤشر في متابعة الخطة الموضوعة وتقييم الأداء أولا بأول والوقوف على التقدم نحو تحقيق الأهداف سواء كانت قصيرة أم متوسطة أم طويلة.

ويعد التميز بين مفهومي كل من المؤشرات والإحصاءات أمر بالغ الأهمية لدى الباحثين، حيث يعبر المؤشر عن مقياسٍ رقمي يستخدم لقياس ظاهرة معينة أو أداء محدد خلال فترة زمنية معينة. أما الإحصاء فهو  عرضٌ رقمي  لواقع ظاهرة معينة في وقت محدد. وهذا امر بالغ الأهمية في دراسات إدارة المخاطر الحديثة .

ومن هنا يختلف المؤشر عن الإحصاءات في أن الأول لا يكتفى بعرض الواقع فقط بل يمتد لتفسيره وتحليله، في حين أن الثاني يعرض الواقع فقط. ومن هذا المنطلق فإنه يمكننا القول بأن الإحصاء يعد الأساس الذى يقوم عليه إعداد المؤشر، فالإحصاء يؤدى إلى قياس دقيق وواقعي لحجم المشكلة من خلال المؤشرات حتى يمكن الوقوف على أبعادها وتحديد أسبابها بما يمكن من وضع الخطط وتحديد السياسات والآليات اللازمة نحو حلها ([4]).

وتتركز صعوبات عملية القياس الرياضي الإحصائي (التكمّية) في  تشتت وعدم توفر البيانات والمؤشرات المهمة لقياس هذه الظواهر، وفي  حساسية ودقة المعلومات الإحصائية -النسبية – خاصة عند محاولة(تكمّية) الظواهر الإنسانية المثيرة للجدل كالعولمة والتطرف الديني والإرهاب بأنواعه المختلفة .

وهنا لا بد من الإشارة السريعة إلى أن الدراسات والأبحاث العلمية من حيث” طبيعة البيانات” ، سواء النظرية البحتة أو التطبيقية العملية في كافة مجالات العلم ، ومنها العلوم الاجتماعية والإنسانية (ومن ضمنها علم الاجتماع ، والعلوم السياسية ، والعلاقات الدولية والعالمية ، والاقتصاد السياسي الدولي )،تقسم  إلى قسمين:

  1. البحوث الكيفّية (Qualitative) حيث ينظر إلى المفاهيم (Concepts) أداة لتوضيح الأفكار والظواهر وتساعد في فهمنا لها، فالسؤال المطروح في البحث النوعي سؤال مفتوح ويهتم بالعملية والمعنى أكثر من اهتمامه بالسبب والنتيجة.

 

  1. البحوث التجريبًية الكمّية (Quantitative) حيث تأخذ المفاهيم والوقائع قيماً عددية تستخدم قيماً لمقياسنا.

إن المشاهدات التي نصادفها في الحياة اليومية مثل التطرف الديني و العمليات الإرهابية وحوادث التلوث البيئي ، والحروب وعمليات الهجرة واللجوء ، وسريان الأمراض المعدية ،والمشاهدات الأكثر انتظاما في العلم ، تكشف لنا عن تكرارات أو انتظامات في العالم. و”البيانات الكمية” من خلال القوانين العلمية ما هي إلا تقريرات تعبر عن هذه الانتظامات بأكبر دقة ممكنه عبر آليات القياس([5]).

ما الهدف من عملية القياس ؟

أعتقد أن الهدف من عملية القياس هو “أن نفهم العالم والكون من حولنا والمشاكل والظواهر المقلقة لنا في هذا العصر الذي تمور فيه الأحداث بتسارع يفوق قدرة البشر على الإدراك . ذلك” أن إحدى المهام الأساسية للعقل البشري هي أن يجعل الكون الذي نحيا فيه مفهوما” ([6]).

ويهدف القياس الكمًي للظاهرة الإرهاب  إلى  الحصول على قيم عددية(إحصائية ورياضية ) لها ، تمكن من سبر أغوارها والوقوف على حجم التفاعلات والتأثيرات المتبادلة بينها وبين ظواهر وأحداث واتجاهات أخرى مرتبطة بها كظاهرة العولمة أو التطرف الديني . مع التركيز على عدم إغفال أو إهمال “المظاهر الكيفية ” من التحليل كلما كان ضروريا خاصة في مجال تحليل معاني ومضامين الأرقام والمؤشرات، حتى لا نتهم “بنقل صورة مشوهة تماما عن الظاهرتين، خاصة وأن هناك كثير من فلاسفة العلم يرون أن المناهج العلمية الحديثة ومنها الكمية تهمل المظاهر الكيفية للطبيعة ” ([7]) . لذلك، تعدّ مسألة” القياس الكميّ” لظاهرة الإرهاب من أصعب المسائل وأعقدها للمشتغلين بدراسة وتحليل الظاهرة.
أكيد أن ضبط الاتجاهات والأحداث والظواهر في العلوم الإنسانية مثل الإرهاب اكثر صعوبة وأقل دقة من ضبط الاتجاهات والأحداث والظواهر في العلوم الطبيعية التجريبية مثل الأحياء والفيزياء والكيمياء والرياضيات ،التي تخضع للفحص والتمحيص والقياس .

وهذا الخلاف بين الطرفين لا يزال المشكلة المركزية في قلب نظرية المعرفة ( الأبستمولوجيا) نظرا ً للنمو الهائل والمتسارع في معارفنا كبشر.

ولا شك أن مما يزيد الأمور تعقيداً، ويشكل تحدياً كبيراً لإنجاز تلك المؤشرات ما يلي:

1- عدم التوافق –حتى الآن- على تعريف شامل ومحدد للإرهاب، تجمع عليه كافة الأطراف، وخاصة الفاعلة منها، والمعنية بمكافحة الإرهاب ،على سبيل المثال كان هناك أكثر من (200) تعريف اكاديمي مختلف للإرهاب عام 2015م ،من ناحية أخرى يختلط هنا مفهومان وهما : المقاومة والارهاب.

2- التوظيف السياسي للإرهاب، وتحول الإرهاب إلى أداة “قوة خشنة” في تنفيذ السياسات سواء الداخلية أو في العلاقات الدولية. ولن أذهب بعيداً في توضيح ذلك، لكني أطرح التساؤل التالي:

كيف ترى الإدارات الأمريكية أن حزب الله مثلاً مليشيا إرهابيه، في الوقت الذي لم تعتبر فيه “الحشد الشعبي العراقي “مليشيا إرهابية رغم انه يتبع قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي يتبع الحرس الثوري الموجود على لائحة الإرهاب العالمي ،ورغم أن كليهما يأتمر في النهاية بأوامر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في طهران ؟! (كان قائد الحشد الشعبي جمال جعفر إبراهيمي المعروف باسم أبو مهدي المهندس  قد ظهر في وسائل الإعلام في شهر أيار 2017م وهو يقول أنه سيلاحق داعش حتى الرياض وجدة . ويفتخر بأنه جندي عند قاسم سليماني  )؟!

 

 

هل هناك مؤشرات للإرهاب في الوطن العربي ؟

أزعم – حسب ما يتوفر لدي من معلومات – أنه ليس هناك أي دولة عربية أو إسلامية لديها مؤشرات خاصة بدراسة وتحليل الإرهاب بأنواعه أو اتجاهاته المستقبلية.

حتى المؤشرات الموجودة في أوروبا وأمريكا حاليا ًجميعها تعاني من السلبيات والنواقص التي تحول دون اعتمادها عالمياً، وان كانت مفيدة كمثال للبناء عليها والاستفادة منها.

وهناك العديد من المناهج والمقاربات في أدبيات دراسة مؤشرات الإرهاب. منها ما يتبع مقاربات النظرية الواقعية ومنها ما يتبع الليبرالية. لكن من أنشطها حاليا المناهج النقدّية  ذات الجذور الماركسية التي تتمثل في تنويع واسع من النظريات أهمها :  النظرية النقدّية ، تحليل الخطاب ، الدراسات الميدانية التطبيقية الاثنوجرافية ، وما بعد الاستعمار ، والنسويّة ([8]).

لكن نقطة ضعف هذه النظريات –حسب اعتقادي- هو ابتعادها المتعمد عن المناهج الكمّية وعدم ثقتها المنهجية والفلسفية بتكمّية الظواهر واستخدام المناهج العلمية ومنها المؤشرات الرقمية والإحصائية . ومن المخيب للآمال أن هذا هو حال الكثير من الباحثين والأكاديميين لدينا في الوطن العربي؛ الذين ينفرون كما سبق أن ذكرنا من المناهج الكمّية.

ولذلك ليس من المستغرب أن نلاحظ أن معظم المؤشرات الموجودة والمعروفة حاليا في أدبيات الظاهرة تمثل مقاربات النظرية الواقعية في السياسة والعلاقات الدولية التي اعتمدت على مفاهيم خاصة لفهم تعقيدات السياسة الدولية وتفسير السلوك الداخلي والخارجي للدول وأبرزها : الدولة كطرف فاعل ووحيد ، القوة، المصلحة، العقلانية، الفوضى الدولية، التقليل من دور المنظمات الدولية الاعتماد على الذات، وهاجس الأمن والبقاء والصراع الدائم والأنانية ، بحيث باتت تلك المفاهيم بمثابة آليات  اعتمدتها كل المقاربات الواقعية من الكلاسيكية حتى الكلاسيكية الجديدة.

لقد دفعت هجمات 11 أيلول 2001م الإرهابية ضد أمريكا  مزيداً من الاهتمام بظاهرة الإرهاب وأسبابه وطرق مكافح الإرهاب ، وإلى زيادة دراماتيكية في الأدبيات التي تبحثها ؛ لكن وعلى الرغم من ذلك فمن الصعب الحصول على بيانات ومؤشرات شاملة ودقيقة  يعتمد عليها لدراسة الظاهرة وهناك إشكالية في بنية هذه المؤشرات ،وذلك لعديد الأسباب ، ومن أهمها( [9]) :

 

  • عدم تنظيم وتبويب البيانات.
  • رداءة نوعية البيانات المعروضة عن العمليات الإرهابية
  • سوء عرض البيانات المتوفرة.
  • التحيز المقصود في عرض البيانات للجمهور ووسائل الأعلام.
  • غربلة(فلترة) المعلومات قبل نشرها . وعلى الغالب ، وفي جميع الدول فأن الأجهزة الأمنية والاستخبارية تقوم عن قصد بهذه العملية لغايات ومسميات مختلفة تحت مظلة ” حماية الأمن الوطني “.

إن القول أنَ هناك  صعوبات وإشكالية في تحديد مؤشرات الإرهاب، لا يمنع من وجود عدد من النماذج المختلفة لدراسة ظاهرته، واتجاهاته الحالية والمستقبلية، ولعلّ أول ما يلاحظ على هذه النماذج هو أن غالبيتها نماذج أمريكية، وتتبع في معظمها لمؤسسات ومراكز أبحاث خاصة غير ربحية، لكنها معروفة بقربها وعلاقتها المتينة بدوائر صناعة القرار الأمريكي(المخابرات الأمريكية ، مكتب التحقيقات الفيدرالية ، ووزارة العدل ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ).

فهناك مؤشرات تشرف عليها وزارة الخارجية الأمريكية، والتي تعدّ أهم النماذج الموجودة وأقدمها، وأكثرها استخداماً من الباحثين، إضافة إلى بعض المؤشرات الأكاديمية البحثية التي طوّرها بعض الباحثين في بعض الجامعات الأمريكية بالتعاون مع جهات مانحة وداعمة لدراسة الظاهرة واتجاهاتها وعلاقاتها بالظواهر الأخرى وبخاصة العولمة، ولعل أشهرها مؤشرات: ” قاعدة بيانات الإرهاب العالمي  (Global Terrorism-Database-GTD) ومؤشرات مؤسسة (بنكرتون) لخدمة المخابرات العالمية (PGIS) التابعة لجامعة ميرلاند – أميركا ([10] ) ، ومؤشرات الإرهاب الدوليّ كمساهم في الحوادث الإرهابية، والمعروف اختصاراً بـ (ITERATE) الذي طوره المحلل السابق والباحث في وكالة المخابرات الأمريكية (تقاعد من الوكالة عام 2008م) والباحث المتخصص في مكافحة الإرهاب (إدوارد فرنسيس ميكولس الأبن وآخرون Mickolus et al)ومؤشرات مؤسسة(راند)والمعهد الوطني الأمريكي لمنع الإرهاب RAND-MIPT ([11]).

وهناك مؤشر مهم موجود الآن يبدو من اكثر المؤشرات شمولا ويقيس الإرهاب واتجاهاته منذ عام 2000م ويغطي 162 دولة في العالم وهو يعتمد على البيانات الخام المتوفرة في المؤشرات الأمريكية أعلاه واهمها “قاعدة بيانات الإرهاب العالمي” ومؤشرات ” التي طورتها جامعة ميرلاند لمصلحة مؤسسة بنكرتون Global Terrorism Database (GTD) ” وهو يصدر للسنة الثالثة على التوالي ألا وهو ” مؤشر الإرهاب العالمي (Global Terrorism Index ) ويصدره “معهد الاقتصاد والأمن”  وهو مركز دراسات مستقل له مكاتب في نيويورك وسدني ومكسيكو([12]).

وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لهذه المؤشرات المختلفة والمتعددة  والجهد الكبير الذي بذل في بنائها (دون التطرق إلى ايجابياتها وهي كثيرة) إلا أن هناك عدداً من السلبيات والنواقص فيها – من وجهة نظرنا- ونحن نشير اليها ليس بهدف النقد فقط ؛ بل يحدونا أمل عريض بأن نتمكن من الاستفادة منها في أي محاولة أو جهد لبناء مؤشراتنا الخاصة .

البحث عن  مؤشر عربي للإرهاب

من المخيب ِللآمال أن هناك نفوراً عجيباً في العالم العربي من استخدم المناهج العلمية والتجريبية في مقاربات العلوم الإنسانية في حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع .

وهذا سلوك ٌ أحسبه مرتبطاً بالمنظومة المعرفية المتخلفة لنا كعرب في  الحقبة الحالية من العولمة في مجالات  الفلسفة والعلوم الفيزياء والعلوم التطبيقية والتكنولوجيا. ولا علاقة له بالصراع الأبستمولوجي الكبير  بين العلم لتجريبي والعلوم الإنسانية الذي ما يزال محتدما في المنظومة المعرفية الغربية .

هذه المنظومة الكسولة من المعرفة تم التواطؤ عليها بين : النخب العلمية المؤهلة والقادرة على البحث من جهة ؛ والسلطة في الدول العربية من جهة ثانية بهدف ترسيخ الواقع وتسهيل عملية تزيفه وإعادة تشكيله عند الحاجة حتى يبقى كل شيء في حالة سيولة معرفية ؛ خاضع للتخمينات والانطباعات الشخصية والجدل العقيم .

ولأن عالمنا العربي ؛ ومعه الإسلامي بات المُنتج و المُصدر الأول في العالم لخام ومعدن الإرهاب العالمي (عيار-24) من مناجم التطرف الديني المنتشرة الآن في كل مكان تقريباً، تبدو الحاجة ملحة جداً لبناء مؤشر شامل للإرهاب ليكون عونا ً للباحثين والدارسين والاكاديميين وصناع لقرار في الدول العربية والإسلامية والعالم أجمع في دراسة تلكم الظواهر وبناء الخطط والاستراتيجيات للتعامل معها بمنهجية علمية .

وفي هذا المجال؛ أرجو أن أُشير هنا إلى تجربتي ومحاولتي الشخصية عندما قمت عام 2007م خلال أعدادي لأطروحة الماجستير في جامعة اليرموك – الأردن  ببناء وصياغة ما أطلقت عليه اسم ( مؤشرات الإرهاب البديلة –S) التي تتكون من (26) مؤشرا فرعياً ،ثم طورتها لاحقاً في أطروحة الدكتوراه عام 2010م ؛ قبل أن أنشرها في كتابي (العولمة والإرهاب :عالم مسطح أم وديان عميقة ؟)عام 2011م ثم في 2015م ([13] ) .

وأزعمُ ( أرجو أن أكون مخطئاً) أن هذه هي المؤشرات الوحيدة –على الأقل عربيا ً- الموجودة  التي عالجت ظاهرة الإرهاب العالمي من منظور (كلانّي) وربطت بين أثر التكنولوجيا المتطورة والأبعاد الاجتماعية والسيكولوجية للإرهاب والمنفذين للعمل الإرهابي وتأثيرات سيرورة العولمة .

إن بناء هذه المؤشرات يحتاج إلى  تظافر كافة الجهود الحكومية الرسمية وتحديداً الأجهزة الاستخبارية والأمنية التي تعتبر بنوك معلومات عن الجماعات المتطرفة والإرهابية ، وتعاون مؤسسات المجتمع المدني خاصة مراكز البحث والدراسات والجامعات والمعاهد، والمؤسسة الدينية لبذل الجهد وتوفير الدعم المادي والمعنوي للباحثين للإسراع في إنجاز هذا المشروع الحيوي الطموح.

وأرى؛ أنه  بدون وجود هذه المؤشرات ستبقى كافة دراساتنا ومقارباتنا وخططنا لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني واتجاهاته المستقبلية و واتجاهات الحالة الدينية، ونقد الخطاب الحضاري والثقافي للدين وأشكال لتدين سواء على المستوى المجتمعي أو الدولي أو العالمي  مجرد رجم  بالغيب والمزيد من التضليل والخداع المعرفي.

 

مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب

الدكتور سعود الشَرَفات

[1]– – كارناب، رودلف ،الأسس الفلسفية للفيزياء، ترجمة وتقديم وتعليق السيد نفادي ، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت ،الطبعة الأولى 1993، صص 17- 72

2- العويمر ،وليد عبد العادي والعايد ،حسن عبدالله ،النظرية السياسية من العصور القديمة حتى العصر الحديث ،دار زيد الكيلاني للنشر والتوزيع عمان-الأردن ،الطبعة الأولى ،2009 ،ص ص32-34 .

 

*-المنهج السلوكي أحد مناهج البحث النظرية البحتّة الحديثة في العلوم السياسية. وتعتبر” الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية أول من أدخل السلوكية في دراسة الأحداث السياسية عام 1923.وأهم ما يميز هذا المنهج تركيزه على استخدام الأدوات الفنية وتقنيات البحث الكّمي-التجريبي (الامبيريقي) القياس واستخدام الرياضيات والإحصاء . وأن التحليل السياسي هو سلوك قابل للملاحظة والتجربة العلمية والتكامل بين البحث السياسي والبحث في مختلف فروع العلوم الاجتماعية الأخرى، لأنه يعالج الموقف الإنساني ككل.

3 – الشَرَفات، سَعود، (2011)، العولمة والإرهاب: عالم مسطح أم وديان عميقة؟ ،الطبعة الأولى ، منشورات دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع عمان،ص13

[4]– الحماقى،  يمن محمد حافظ ، مفهوم مؤشرات النوع الاجتماعي وأنواعها معايير وخطوات إعدادها .  

http://www.mof.gov.eg/equality-finallweb/systempages/wrshafiles/m3.pdf

 

6-المرجع السابق، ص 17.

7– بوبر ، كارل ر (2003) ، أسطورة الإطار في دفاع عن الغلم والعقلانية ، تحرير : مارك أ .نوترنو ، ترجمة يمنى طريف الخولي ،سلسلة كتب عالم المعرفة ،مطابع السياسة –الكويت ، العدد 292 ،أبريل، صص 67 .

8– كارناب، رودلف ،الأسس الفلسفية للفيزياء، ترجمة وتقديم وتعليق السيد نفادي ، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت ،الطبعة الأولى 1993، صص 17- 72

[8] –  Dixity, Priya and Stump, L. Jacob, Critical Methods in Terrorism Study.

[9] Lee، Joonghoon ، Exploring Global Terrorism Data: A Web-based Visualization of Temporal Data. http://www.start.umd.edu/datarivers/JoonghoonLee.

[10] Ibid.

[11] الشَرَفات، سَعود، (2015)، العولمة والإرهاب: عالم مسطح أم أودية عميقة؟ ، الطبعة الثانية، منشورات دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع عمان، ص145-146

[12] http://economicsandpeace.org/wp-content/uploads/2015/11/Global-Terrorism-Index-2015.pdf

[13] – الشَرَفات، سَعود، (2011)، العولمة والإرهاب: عالم مسطح أم وديان عميقة؟ ،الطبعة الأولى ، منشورات دار ورد الأردنية للنشر- والتوزيع عمان،ص124-131.


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply