العولمة السياسيّة : سياسات القوّة وأثرها على مكافحة الإرهاب

0

الدكتور سعود الشرفات

مؤشّر العولمة السياسيّة

تعني المؤشّرات الفرعيّة للعولمة والارتباط السياسيّ (عضويّة الدول في المنظمّات الدوليّة، المصادقة على المعاهدات الدوليّة، الحوالات الحكوميّة، المساهمة في مهمّات حفظ السلام) بشكل أو بآخر الجهود الموجّهة ضدّ الإرهاب وملاحقة الإرهابيين ضمن الجهد العالميّ لمكافحة الإرهاب، والسير ضمن حملة “الحرب العالميّة على الإرهاب العالميّ” منذ أن أطلقها الرئيس الأمريكيّ بوش الابن عقب هجمات 11 أيلول 2001.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعدّاه إلى تسخير معظم الاتفاقيّات والمعاهدات الدوليّة الموجودة والموافقة، وعضويّة الدول في المنظّمات الدوليّة، ومهمّات حفظ السلام لخدمة غرض محدّد هو مكافحة الإرهاب، والسير ضمن الحملة الأمريكيّة بالحرب العالميّة على الإرهاب المستمرّة حتى 2019 م.

يدشّن العالم المعاصر نشوء حركات عن الصراعات بين القوى العظمى باتجاه أشكال جديدة من انعدام الأمن، ناجمة عن المنافسات ضمن الدول وعبر حدود الدول

لذلك فإنّه، بعد حوالي أقلّ من (ثمانية عشر شهراً) من إعلان الرئيس الأمريكيّ (بوش الابن) استراتيجيّة الحرب العالميّة على الإرهاب، قامت الولايات المتّحدة بعدّة خروقات في مجالات الحقوق السياسيّة، الحريّات العامّة، حقوق الإنسان، إضافة إلى خروقات أخرى تتعلّق بدستورها، وعدد من المعاهدات الدوليّة، والقائمة تشمل: ممارسة التعذيب، الخطف، اختراق خصوصيّة المواطنين، مراقبة الاتصالات والتنصّت عليها بشكل غير قانونيّ (Eavesdropping)[1]، وفي المحصّلة تحوّلت الولايات المتّحدة، وبريطانيا تحديداً، تحت وطأة هذه السياسات إلى دول بوليسيّة (Police State).[2]

إنّ مؤشّر العولمة السياسيّة “تبادليّ” بنيويّ أكثر من بقيّة مؤشّرات العولمة الأخرى، من الناحية البنيويّة للعلاقة التبادليّة بين العولمة، والإرهاب، ومن حيث انخراط الطرفين: الأطراف الفاعلة من الدول والأطراف الفاعلة من غير الدول في مواجهة مباشرة وعنيفة في مواجهة الآخر.

ولعلّ أهمّ فائدة يجنيها الإرهابيّون هنا هي أنّ الارتباط السياسيّ للعولمة يؤثّر طرديّاً على الإرهاب، مانحاً الإرهابيين الاهتمام الدوليّ، ودفع وجهات نظرهم السياسيّة إلى دائرة الأحداث.[3]

ويتعلّق هذا المؤشّر بتلك التغيّرات التي لها علاقة مباشرة بظاهرة الأمن، وبروز ظاهرة الأمن الشامل بضغط من محرّكات العولمة المختلفة، وخاصّة أنّ فكرة الأمن ظلّت خلال فترة الحرب الباردة تغلب عليها الصفة العسكريّة فقط.[4]

الشؤون الداخليّة للدول ذات السيادة

يدشّن العالم المعاصر نشوء حركات عن الصراعات بين القوى العظمى باتجاه أشكال جديدة من انعدام الأمن، ناجمة عن المنافسات ضمن الدول وعبر حدود الدول، وقد تجلّى ذلك في الحروب الوحشيّة، أو الأعمال الإرهابيّة التي اندلعت في البوسنة، روسيا، الصومال، اليمن، الجزائر، العراق، سورية.

ويطرح هذا مشكلة خطيرة للجماعة الدوليّة، تتمثل في ما إذا كانت ستتدخّل في الشؤون الداخليّة للدول ذات السيادة، بغية المحافظة على حقوق الأقليّات وحقوق الإنسان، ويرى منظّرو المجتمع العالميّ أنّ هذه المسألة تعكس التحوّل التاريخيّ للمجتمع البشريّ الذي حدث في نهاية القرن العشرين، إذ ازدادت ضرورة التذكير بأمن الأفراد والجماعات ضمن المجتمع العالميّ.

ويتوقّع مُنظّر علم الاجتماع والعلاقات الدوليّة البريطاني مارتن شو (Martin Shaw) أنّه في ظلّ تسارع العولمة فإنّه من الممكن توسّع “المجتمعات الأمنيّة” الإقليميّة القائمة حاليّاً لتصبح جماعة أمنيّة أوسع نطاقاً تضمّ العديد من الدول في العالم. وإنّه ثمّة اتصالات عالميّة يمكن أن تساعد على إيجاد توافق جديد بشأن المعايير والمعتقدات التي يمكن بدورها أن تحوّل طبيعة الأمن العالميّ، لكن تبقى هذه المسألة من أصعب وأعقد القضايا التي تعني الذين يدرسون العلاقات الدوليّة ويمارسون التصدّي لها.[5]

وفي هذا السياق ادّعى “فرنسيس فوكوياما” أنّ التحوّل الذي أنجز في الولايات المتّحدة بعد هجمات 11 أيلول/2001 هو “القطيعة النهائيّة مع المقاربة الانعزاليّة التي ترى أنّ (أمريكا أمّة مكتملة، ذات حدود نهائيّة)، جمعت بين الاتجاهين الديمقراطيّ والجمهوريّ على اختلافهما في الرؤية والتوجّه خلال العقد الأخير”.[6]

لذلك يمكن أن نلاحظ اليوم أنّ الاستراتيجيّة الأمنيّة الأمريكيّة التي نشرت عام 2002م، عقب هجمات 2001م ركّزت على المحاور الرئيسة التالية:[7]

الدفاع عن حقوق الإنسان.
بناء التحالفات من أجل هزيمة الإرهاب، ومنع أيّ اعتداء على الولايات المتّحدة وحلفائها.
العمل مع المجتمع الدولي من أجل نزع فتيل الصراعات الإقليميّة.
توسيع دائرة التطوّر بوساطة فتح المجتمعات، وبناء البنى التحتيّة للديمقراطيّة.
السعي لتطوير التعاون بين مراكز القوى في العالم.
إعادة تهيئة مؤسّسات الأمن القوميّ الأمريكيّ لكي تتماشى مع تحدّيات القرن الحادي والعشرين.
عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول هو المبدأ السائد في المجتمعات الدوليّة المعاصرة، غير أنّ الأحداث التي خلّفها الإرهاب، وبيئة العولمة المساعدة، جعلت هذا المبدأ موضع شكّ

الإرهاب وحقوق الأنسان

إنّ مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول هو المبدأ السائد في المجتمعات الدوليّة المعاصرة، غير أنّ الأحداث التي خلّفها الإرهاب، وبيئة العولمة المساعدة، جعلت هذا المبدأ موضع شكّ، ذلك أنّ مبدأ التدخّل لأغراض إنسانيّة، والتدخّل العسكري القسريّ، وضع المجتمع الدوليّ أمام أقسى الاختبارات، ولم يحظَ ذلك التدخّل بموافقة الكثيرين، وهوجم من جماعات حقوق الإنسان وبعض الدول التي نظرت إليه كنوع ٍمن الإمبرياليّة الجديدة.

ولذلك أعلنت “منظّمة مراقبة حقوق الإنسان”، التي تُعدّ في عالم العلاقات الدوليّة المعاصرة من أهمّ الأطراف الفاعلة من غير الدول، في تقريرها السنويّ لسنة 2006 م، عن إدانتها ومهاجمتها للأطراف الدوليّة كافة الضالعة في استراتيجيّة الحرب العالميّة على الإرهاب، وقد جاء في تقريرها: [8]

ذكر كنيث روث المدير التنفيذي للمنظمة أنّ محاربة الإرهاب أمر شديد الأهميّة بالنسبة إلى حقوق الإنسان، لكنّ استخدام أساليب غير قانونيّة ضدّ من يُدعى بأنّهم إرهابيّون أمر خطير وعكسيّ.
أكّد روث أنّ الأساليب غير القانونيّة أدّت إلى زيادة قدرة الإرهابيين على تجنيد الناس، وأضعفت الدعم الشعبيّ لجهود مكافحة الإرهاب. وهذا يعني أنّ أثر الارتباط السياسيّ كان طرديّاً على الإرهاب.
وقد كان هذا التقييم يتعارض والتقييم الذي أصدرته وزارة الخارجيّة الأمريكيّة آنذاك عن الإرهاب العالميّ لسنة 2006[9]، ونشر في 30 نيسان/ أبريل 2006 الذي جاء فيه: إنّ “التعاون الدوليّ في مكافحة الإرهاب آخذ في التحسّن، غير أنّ العنف في العراق وإدخال أساليب جديدة على العمليّات الإرهابيّة شكّل زيادة في العمليّات الإرهابيّة بنسبة 25% على الصعيد العالميّ، وإنّ الجهود الدوليّة التعاونيّة أوجدت تحسينات أمنيّة حقيقيّة عن طريق:

أ- تعزيز أمن الحدود بين الدول.

ب- تعزيز الأمن في وسائل النقل.

ت- اقتسام المعلومات الاستخباريّة بشكل واسع.

لكنّ تقرير “منظّمة حماية حقوق الإنسان” أكّد أنّ “التعذيب وإساءة المعاملة كان جزءاً لا يتجزّأ من استراتيجيّة مكافحة الإرهاب العالميّ، الأمر الذي أسهم في إضعاف حركة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، التي بدورها أثّرت طرديّاً على زيادة قدرة الإرهابيين على تجنيد الناس، وأضعفت الدعم الشعبيّ والكثير من الأطراف من غير الدول وجهود استراتيجيّة مكافحة الإرهاب”.

وهاجم التقرير أدوار بريطانيا كثيراً، وهي أكثر حلفاء الولايات المتّحدة في مجال خروقات حقوق الإنسان السياسيّة، وفي مجالات التعذيب للمشتبه بهم “وقيامها كثيراً بمحاولة تخفيف أحكام معاهدة جديدة تجرّم حالات الاختفاء القسريّ”.[10]

أمّا بقية دول الاتحاد الأوربيّ، فهي تتواصل من خلال إعطاء حقوق الإنسان مكانة ثانويّة في علاقاتها الثنائيّة بالدول الأخرى التي تراها مندمجة معها، ومفيدة في تنفيذ استراتيجيّة الحرب العالميّة على الإرهاب، مثل: الصين، روسيا، السعوديّة، وخاصّة أنّ دولاً مثل: الصين، روسيا، “استخدمت الحرب على الإرهاب، والإرهابيين الإسلاميين”.

وفيما يتعلّق بالدول الإسكندنافيّة المعروف عنها حساسيتها المفرطة تجاه قضايا حقوق الإنسان، فقد تبيّن أنّها اندمجت هي الأخرى في هذا المجهود، فقد أصدرت لجنة الأمم المتّحدة لمناهضة التعذيب في20 أيار/ مايو2005 “تصريحات تقول إنّ السويد خرقت الحظر الكامل على التعذيب حينما أبعدت إلى مصر في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2001م متّهمين هما: أحمد عجيزة/ طالب لجوء سياسيّ في السويد، وآخر يُدعى محمّد الزيري، وبالتنسيق مع وكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة (CIA) والمخابرات المصريّة، ضمن شكل جديد من التعاملات الدوليّة أفرزه الإرهاب العالميّ بعد عام 2001 يُطلق عليه “التسليم الاستثنائيّ”، إذ تعرّض عجيزة والزيري للتعذيب في مصر، ويُعدّ هذا التسليم انتهاكاً للقانون الدوليّ، والسويديّ، والأمريكيّ”.[11]

في الخلاصة، إنّ تأثير محرّكات العولمة السياسيّة والترابط السياسيّ كان إيجابيّاً على ظاهرة الإرهاب العالمي، حيث أدّت سيرورة العولمة الى إضعاف الدولة القوميّة المعاصرة، وهشاشة الحدود الإقليميّة، ممّا سهّل في النهاية اتّصال الشبكات والتنظيمات الإرهابية ببعضها بعضاً عبر العالم، الأمر الذي أدّى في النهاية إلى توسّع ظاهرة الإرهاب بالشكل الذي نراه اليوم.

المراجع

1- بيليس، جون وسميث، ستيف، “عولمة السياسة العالميّة”، ترجمة ونشر مركز الخليج للأبحاث، دبي، 2004.

2- ولد أباه، السيّد، “عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001: الإشكالات الفكريّة والاستراتيجيّة”، الدار العربيّة للعلوم، بيروت، 2004.

3- الاستراتيجيّة الأمنيّة الدوليّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة، أيلول 2002، على الرابط:

Merin.Ndu.Edu/Whitepapers/Usnss-Arabic.Doc

4- منظّمة مراقبة حقوق الإنسان “السويد تخرق الحظر على التعذيب بمساعدة الولايات المتّحدة”، 2005، على الرابط: Http: //Hrw.Org/Arabic/Docs/2005/05/20/Sweden//002

5- وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، مكتب برامج الإعلام الخارجي، نشرة واشنطن، التقرير السنوي، المركز القومي لمكافحة الإرهاب في العالم لعام 2006.

6- Mazari, Shireen M, “Future of Terrorism:

A Critical Appraial”,8/9/2007,P,Http.//Www.Issi.Or.Pk/Joural/2006-Ties/No-1/ArticleAl. Html.

7- Vakini,Sam,”How Acts of Terror Lead To Tyranny And Dictatorships”

Http//Www.Global Politician.Corr /Artic/Es.Asp?Id = 3269 + Print = True

-سبق أن نشر هذا المقال في مؤسسة مؤمنون بلا حدود -المغرب


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply