“البروج المشيدة”: رحلة في تطور الفكر السلفي وأصول تنظيم القاعدة

0

الدكتور
سعود الشرفات

أدّت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية، من جملة ما أدّت إليه، إلى تنشيط حركة البحث والكتابة والتأليف والترجمة حول ظاهرة الإرهاب، حتى إنّ البعض يقدّر عدد الكتب التي صدرت عقب الهجمات بأكثر من 1742 كتاباً في الغرب، لكن هذه الكتب ليست على سوية واحدة من الأهمية، وقد ظلّ عدد قليل منها، حتى الآن، يملك البريق والأهمية، ومنها يبرز كتاب “البروج المشيدة: القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر”، لمؤلفه لورانس رايت، الذي صدر باللغة الإنجليزية، في آب (أغسطس) 2006، ويتألف من 455 صفحة، وقد أُعيدت طباعته أكثر من مرة.

ما يشد في هذا الكتاب، من بين جملة الكتب الكثيرة؛ هو استمرار إشادة خبراء ومنظري أكاديميي ظاهرة الإرهاب العالمي به، رغم أنّه ليس كتاباً أكاديمياً صارماً، بل هو أشبه ما يكون بالعمل الروائي.

ثم إنّ معظم مُنظّري وخبراء الإرهاب العالمي المعاصر، حتى من الأكاديميين المختصين بدراسة الإرهاب، يجمعون على أنّ هذا الكتاب يعدّ من أفضل 5 كتب صدرت في الغرب حول الإرهاب، بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001؛ حيث تصفه البروفيسورة، أودري كيرث كرونين، وهي من أهم منظري دراسة الإرهاب حالياً، بأنّه أهمّ كتاب حول ظهور تنظيم القاعدة، حتى هجمات 11 سبتمبر، وأنّ قراءته وحده يمكن أن تعطي الفرد المهتم فكرة كاملة عن محتوى القصة الإنسانية الكاملة التي انبثق منها تنظيم القاعدة.

يتحدث الكتاب ويصف كيفية تطور الفكر السلفي الإسلاموي المتطرف، وأصول تنظيم القاعدة، وعملية التحول السريعة والعميقة من مرحلة الحرب ضدّ السوفييت في أفغانستان، حتى هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، ويركز على الأشخاص الذين تآمروا لتنفيذ هجمات 11 أيلول؛ دوافعهم وشخصياتهم، لكنّه ركّز أكثر على زعيم القاعدة أسامة بن لادن.

كما أنّه يحكي قصة رجال مكافحة الإرهاب في الاستخبارات الأمريكية، ومكتب التحقيقات الفيدرالية، الذين استشعر بعضهم مبكراً خطورة التنظيم، وتعاظم قوته، وحاولوا جاهدين قمعه منذ البداية، إلا أنّ جهودهم ذهبت أدراج الرياح، في معركة الأجندات الخاصة، وبيروقراطية صناعة القرار السياسي الأمريكي، والتنافس السلبي بين الأجهزة الاستخبارية الأمريكية، وشعورهم بالمرارة الذي لم يفارقهم حتى بعد أن غادروا العمل الرسمي، ونذكر منهم جماعة ما يسمى “محطة آليس”، التي كانت مختصة بمتابعة أسامة بن لادن تحديداً، مثل: ريتشارد كلارك (مستشار مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن الوطني الأمريكي)، وجون أونيل (مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الذي كان المسؤول المباشر عن وحدة ملاحقة بن لادن، حتى استقالته، في آب 2001، ثم مقتله في هجمات 11 سبتمبر؛ حيث كان يعمل مسؤول الأمن في مركز التجارة العالمي).

وهناك تقدير نقدي مهمّ من النقّاد يذكر أنّ الكتاب يتمتع بأسلوب فاتن وممتع، يستحوذ على الانتباه، في الوقت نفسه الذي يستند فيه على حقائق صلبة بعيدة عن الإثارة، ومزود بملحق ملخص لسيرة الشخصيات الكثيرة التي وردت في الكتاب باللغة العربية، ما يساهم في سهولة العودة إليه؛ لذلك يحبّه القرّاء العاديون، وطلبة الدراسات العليا في حقل الإرهاب.

ولعلّ هذا ما أعطى الكتاب هذه السمعة الإيجابية والانتشار والأهمية، حتى حصل مؤلفه على جائزة “بوليتزر” لعام 2007، وهي أهم جائزة أدبية في أمريكا، وأفضل الكتب مبيعاً في أمريكا.

الترجمة العربية للكتاب

يقول المؤلف في تقديمه للطبعة العربية: “لقد كتبت هذا الكتاب كي أطلع نفسي، ثم قرّائي الأمريكيين، على التفكر في الأحداث التي أدت إلى هجمات ١١ سبتمبر، وقد تفاجأت وسررت لرؤية الكتاب، وقد حاز قاعدة عريضة من القرّاء، وتُرجم إلى أكثر من عشرين لغة، والآن إلى اللغة العربية، التي أعجبت بها منذ أن جاهدت أول مرة لتعلمها قبل وقت طويل للغاية، في الأعوام التي قضيتها في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وإنه لشرف أن أرى كتابي بلغة بهذا الثراء وهذه الدقة، وأشعر بالتواضع والحماسة لهذه الفرصة، كي أصل إلى القرّاء العرب، الذين أتمنى أن يتقبلوا محاولتي لأن أخبرهم بقصته”.

يعد الكتاب تأريخاً قصصياً للأحداث التي قادت إلى 11 سبتمبر ونظرة متعمقة للأشخاص الذين تورطوا في الهجوم

ويكمل “استغرق إنتاج هذا الكتاب ما يقرب من 5 أعوام، حاورت فيها أكثر من 600 شخص، وتحدثت إلى كثيرين منهم عشرات المرات، وقد كانت هناك لحظات صعبة؛ بل ربما خطيرة، في عملية إجراء البحث، لكنّني دائماً ما كنت أعامَل باحترام، وبإمكان بعض مصادري الآن قراءة هذا للمرة الأولى، وأريد أن أشكرهم مرة أخرى على رحابة صدرهم”.

وقد تُرجم الكتاب إلى اللغة العربية، من قبل هبة نجيب مغربي، ومراجعة مجدي عبدالواحد عنبة، في مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، مصر، الطبعة الثالثة، 2011. ومن الترجمة، نلاحظ أنّ الكتاب هو تأريخ قصصي شامل للأحداث التي قادت إلى 11 سبتمبر، ونظرة متعمقة للأشخاص الذين تورطوا في هذه الأحداث وأفكارهم، والمخططات الإرهابية وسقطات أجهزة الاستخبارات الغربية، التي انتهت بالهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية، وهو نتاج جهد استغرق من المؤلف خمسة أعوام، ومقابلات مع العديد ممن عاصروا الأحداث، أو عايشوها، والتي أجراها المؤلف في كلّ من: مصر، والسعودية، وباكستان، وأفغانستان، والسودان، وإنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، والولايات المتحدة.

واستقى المؤلف العنوان من الآية الكريمة: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (سورة النساء، الآية: (78) ، وفي إشارة كذلك إلى (الأبراج في نيويورك)، للبروج المشيّدة، التي هاجمها تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر، والكتاب، كما أسلفت، دراسة تفصيلية مكتوبة برشاقة، تنقلك من بدايات بروز الفكر الذي استند إليه تنظيم القاعدة، من سيد قطب، إلى أيمن الظواهري، ومن ثم أسامة بن لادن، ليصل إلى الحرب ضدّ السوفييت في أفغانستان، ويتميز الكتاب بنفَسه الروائي؛ فهو يتناول شخصية محددة، ويخصص لها فصلاً أو أكثر؛ حيث يمكن من خلاله التعرّف إلى الأحداث والشخصيات بشكل مترابط.

يتميز المؤلف بقدرته على تتبع التفاصيل التاريخية، وهو ما يُشعر القارئ العادي بأنّه يملك التفاصيل والصورة الكاملة؛ حيث يسرد الكتاب قصة ظهور تنظيم القاعدة وهجمات 11 أيلول 2001، بداية من الأسس الفكرية للتنظيم، التي يغوص فيها إلى تأثير سيد قطب على التنظيم والتنظيمات الإرهابية، ثم من واقع حياة 4 رجال، هم: زعيما تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري من جهة، ورئيس إدارة مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالية، جون أونيل، والمدير السابق للاستخبارات السعودية، الأمير تركي الفيصل، من جهة أخرى.

ومن خلال حديث هذه الشخصيات عمّا لديها من معلومات خطيرة، عن خلفيات وتاريخ الضالعين بقصة الإرهاب، فقد توضح العديد من الأمور الخفية منها تيارات الإسلام الحديث التي ساعدت في اعتناق كلّ من الظواهري وبن لادن للأصولية، ومولد القاعدة وتطورها المتقطع، حتى أصبحت منظمة قادرة على تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كلّ من كينيا وتنزانيا، والهجوم على المدمرة البحرية الأمريكية “يو إس إس كول”، والجهود التي قام بها أونيل لتتبّع القاعدة، قبل 11 سبتمبر، وموته المأساوي في برجي التجارة، وتحوّل الأمير تركي من حليف لبن لادن إلى عدوّ له، وفشل مكتب التحقيقات الفيدرالي والاستخبارات المركزية الأمريكية والأمن القومي في منع وقوع هجمات 11 سبتمبر.

الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها المتابع لظاهرة الإرهاب من هذا الكتاب؛ هي أنّ الإرهاب لم ينتهِ، ولن ينتهي في القريب، وأنّ تاريخ الأخطاء البشرية، وسوء التخطيط والتقدير، وتضارب المصالح، يعيد نفسه في كلّ مرة، لكن بأشكال مختلفة.


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply