عام ٢٠١٩ الطويل!

0

الدكتور
سعود الشرفات

ليس من السهل على المحلل أو المراقب السياسي، أن يبني قراءات أو استنتاجات صلبة وصحيحة، بناءً على أحداث أو مؤشرات فرعية لسيرورة الأحداث على الأرض، في مدة زمنية قصيرة. لكن هذا العام (٢٠١٩)؛ الذي نواكب أحداثه المؤثرة والمتسارعة، يبدو أنّه سيكون طويلاً.
وهنا نتذكر المؤرخ الفرنسي، فرناند بروديل (١٩٠٢-١٩٨٥)، عندما وصف القرن السادس عشر بـ”القرن الطويل”، لكثرة الأحداث والتطورات التي غيّرت وجه العالم الذي نعيشه اليوم.

وما أريد الإشارة إليه هنا، حول العام ٢٠١٩؛ هو فقط مجموعة “الأحداث” التي أعطت هذا العام، منذ ربعه الأول حتى الآن، وجهه الكالح والمرعب، وكلّي أمل ألّا ينتهي بالوتيرة نفسها من السوداوية.
والأحداث التي سأشير إليها لا تختص بمنطقة جغرافية بعينها، وليست من نوعٍ واحد، لكن قاسمها المشترك واحد؛ هو أنّها مترابطة ومعولمة، ومحمّلة بالرعب، وخطرها يطال ويؤثر في العالم كلّه “بتأثير جناح الفراشة”؛ حيث تتداعى الأحداث وتأثيرها لتطال الجهات الأربع في عالم اليوم.
ترابط الأحداث
هناك سلسلة طويلة من الأحداث اليومية التي نتابعها عبر وسائل الإعلام العالمية، بشكلٍ متواصل ومكثف، والتي قد تبدو معزولة عن بعضها، لكنها شديدة الترابط من حيث تأثيرها السلبي على الأمن العالمي وحياة البشر على هذا الكوكب، وللاختصار والتكثيف؛ يمكن ترتيبها على النحو الآتي:
– الإرهاب العالمي
نبدأ سرد الأحداث من ظاهرة الإرهاب العالمي، ومن بداية العام، لنقف على العملية الإرهابية التي نفذها إرهابي من اليمين المتطرف ضدّ المصلين في مسجدين بمدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا، وهزيمة تنظيم داعش في آخر معاقله في قرية الباغوز سوريا، والهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش في عيد الفصح ضدّ الكنائس والفنادق في سريلانكا، والهجمات المتفرقة؛ في الصومال، ومالي، والكونغو، والسعودية، وفي العراق، وأفغانستان، والهند، وضدّ قوات خليفة حفتر في ليبيا؛ حيث أسفر الهجوم عن وفاة 9 من الجنود مدينة سبها في جنوب ليبيا، بتاريخ 4 أيار (مايو) 2019، وإحباط عمليات للتنظيم في طنجة في المغرب، وتونس.

تبدو أحداث 2019 معزولة عن بعضها لكنها شديدة الترابط بتأثيرها السلبي على الأمن العالمي وحياة البشر

وهنا نشير إلى أنّ الإرهاب العالمي قد تحوّل إلى أداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، ونشر القيم والأفكار والأيديولوجيا للأطراف الفاعلة من الدول، وغير الدول، وعلى رأسها التنظيمات الإرهابية.
هذا الإرهاب تحوّل إلى ظاهرة عولمّية بامتياز؛ حيث طال شرّه الكثير من الدول وأزهق الكثير من الأرواح وكبّد الاقتصاد العالمي الكثير من الخسائر المادية وغير المادية.
لقد ضرب الإرهاب العالمي أكثر من 77 دولة في العالم، العام 2018، وأدى إلى وفاة 18814 شخصاً، وكبّد الاقتصاد العالمي ما مجموعه 52 مليار دولار، وخلّف ما يقرب من 40000 مقاتل أجنبي في سوريا والعراق، 13% منهم من النساء، و12% من الأطفال، و730 من الأطفال الأيتام.

اقرأ أيضاً: “الذئاب المنفردة”… وعصر الإرهاب الحديث
هذا جزء بسيط ومختصر من الأمثلة حول أحداث واتجاهات قابلة للقياس، وكلّها لم تنته، وسيستمر العالم بالتعامل معها خلال العام 2019، وفي المستقبل؛ أهمها: مشكلة عودة “المقاتلين الإرهابيين الأجانب” إلى بلادهم، وكيفية التعامل مع النساء والأطفال والأيتام، والاعتراف بهم؛ حيث تشير بعض التقارير إلى أنّ هناك رفضاً واسعاً للاعتراف بأبناء النساء اليزيديات، اللواتي سباهن تنظيم داعش، بعد العام 2014، حتى من داخل المجتمع اليزيدي نفسه!
– الصراعات والأزمات السياسية الدولية
على رأس هذه الصراعات اليوم؛ استمرار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والعمليات العسكرية، خاصة على وقع الحديث عن قرب الإعلان عن “صفقة القرن”، وآخرها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومهاجمة حماس والجهاد الإسلامي، في الاتجاه نفسه؛ لوحظ أنّ الأمين العام للأمم المتحدة، في 5 أيار (مايو) 2019، جدّد مطالبته بنزع سلاح حزب الله.

وتبرز الولايات المتحدة الأمريكية، بزعامة ترامب، لتكون القاسم المشترك لعدد من الأحداث السياسية الخطيرة؛ حيث يتزايد التصعيد العسكري، والحرب الكلامية بين أمريكا وإيران، وذلك على ضوء التصعيد الأمريكي ضدّ إيران، وتشديد العقوبات الاقتصادية والعملة والاحتياطات الإيرانية، الأمر الذي ردّت عليه إيران بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز، وردّ عليه رئيس البرلمان الإيراني، في 5 أيار (مايو) 2019، قائلاً: إنّ “أمريكا تستهدف إيران، وتعهّد بأنّ إيران ستستمرّ في عملية تخصيب اليورانيوم، علماً بأنّ إيران أوقفت استيراد القمح والغاز في الوقت نفسه الذي افتتحت فيه مكتباً تجارياً لتصدير النفط في العراق.
وفي الشرق؛ تستمر إدارة الرئيس ترامب بالاستفزاز السياسي بالصين؛ حيث تم اتهامها بسوء معاملة الأقلية المسلمة من الإيجور، ووضع مليون منهم في معسكرات اعتقال، بينما قامت كوريا الشمالية، الحليف الأكبر للصين في الشرق، بإطلاق صواريخ قصيرة المدى في بحر الصين، في خطوة استفزازية لسياسة أمريكا وكوريا الجنوبية، واليابان التي قامت مؤخراً بخطوة لافته وغير مسبوقة، منذ 1945؛ أي منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وإعلان استسلامها لأمريكا رسمياً، بتاريخ 2 أيلول (سبتمبر) 1945، تمثّلت في قيام اليابان بإرسال عدد من الضباط العسكريين من جيش الحماية الوطني للمشاركة مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة العاملة في منطقة سيناء.

ثمّ التصعيد بين أمريكا وروسيا حول الأزمة السياسية في فنزويلا، التي تهدد بحرب في أمريكا اللاتينية، خاصة بعد اتهامات للرئيس الفنزويلي، مادورو، بدعم جماعات إرهابية في فنزويلا.
في أوروبا؛ تبدو القارة مشغولة بالتحضير لانتخابات الاتحاد الأوروبي، وسط تخوف من فوز اليمين المتطرف والأحزاب المتطرفة والشعبوية، في الوقت نفسه الذي تستمر فيه مظاهرات واحتجاجات السترات الصفراء في فرنسا، للأسبوع 25 على التوالي.
أما في الشرق الأوسط؛ فالحرب ما تزال مستمرة في سوريا بين المعارضة والقوات النظامية ويبدو طريق السلام طويلاً، خاصّة أنّ التصعيد مستمر بين تركيا وقوات وحدات الشعب الكردية التي شعرت بنشوة النصر بعد نجاحها في القضاء على تنظيم داعش.

يبدو أنّ العام 2019 سيكون طويلاً جداً لكثرة الأحداث والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي سنشهدها خلاله

مع ضرورة الإشارة إلى أنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مشغول حالياً بلملمة أوضاعه السياسية، خاصة بعد الضربة التي تلقاها بخسارة بلدية إسطنبول، ثم نجاحه في المطالبة بإعادة الانتخابات بها، وهو أمر ستكون له تداعيات كبيرة، داخل تركيا وخارجها.
في شمال إفريقيا؛ ما يزال الوضع خطيراً في ليبيا؛ حيث تستمر المعارك الطاحنة ونزوح السكان مع دخول تنظيم داعش على ساحة الحرب ضد قوات الجنرال خليفة حفتر.
أما في الجزائر؛ فالأوضاع وتطور الأحداث يتدحرج ككرة الثلج؛ لكن خيوط اللعبة السياسية ما تزال في يد الجيش، وأخشى من أنّ الرجل القوي اليوم في الجزائر، قايد صالح، سيكون هو الرابح الوحيد من “ربيع” الجزائر؛ حيث قضى بدعم من الحراك الشعبي على أقوى خصومه في الدولة العميقة، خاصة في الأجهزة الأمنية والمخابرات والجيش، وبقي وحده في المشهد؛ فمن سيقف في وجهه بعد ذلك؟ والخشية من انفلات الأمور بحصول الصدام بين الحركات الشعبية وقايد صالح مستقبلاً.
وليس بعيداً عن الجزائر، في “ربيع” السودان، الوضع ليس بأفضل من الجزائر؛ حيث خيوط اللعبة السياسية ما تزال في يد المؤسسة العسكرية، التي تسيّرها كيفما تريد حتى الآن.

في المحصلة؛ أعتقد أنّ العام 2019 سيكون طويلاً جداً لكثرة الأحداث والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي سنشهدها خلاله، نحن اليوم، ما نزال نعيش في الربع الأول من العام 2019، ومجموع الأحداث التي أشرت إليها أعلاه كثيرة وخطيرة ومترابطة، وليست معزولة عن بعضها، وأخشى من أنّ مخرجات تفاعلها المستقبلي ستكون قاسية وضارة في السّلم والأمن العالمي. .


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply