الغزو التركي لشمال شرق سوريا وعودة مشكلة” المقاتلين الإرهابين الأجانب”

0

بالتزامن مع العملية العسكرية التركية لاجتياح مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال شرق سوريا التي بدأت يوم الأربعاء 9 تشرين أول-أكتوبر 2019م  عادت مشكلة “المقاتلين الارهابيين الأجانب” وعائلاتهم الى واجهة الأحداث؛ وما زالت تتفاعل حتى إعداد هذا المقال .

ردة الفعل القوية جاءت – كما هو متوقع – من الدول الأوروبية حيث  تشير البيانات المتوفرة حسب تقرير  الأمم المتحدة الذي نشر في شهر أذار-مارس2019م الى أن المجموع الكلي لعدد المعتقلين من تنظيم داعش لدى “قسد”  بلغ (8000) مقاتلاً ،وينتمون الى 60 دولة في العالم وهناك بيانات أخرى ترفع العدد الى ( 12000 )، بينهم ما يقارب(3000)  أجنبي من 54 دولة، بحسب مسؤول هيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية/  عبد الكريم عمر في تصريح  لوكالة فرانس برس  10 تشرين الأول/أكتوبر2019م  ويتوزع هؤلاء على سبعة سجون مكتظة موزعة على مدن وبلدات عدة، بعضها عبارة عن أبنية غير مجهزة ، وتخضع لحراسة مشددة من قبل قوات “قسد”.

وفي تحديث للمعلومات والبيانات في شهر أب-أغسطس 2019  أكد (جيمس جيفري) المبعوث الخاص للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش  أن حوالي (1000) مقاتل  ينتمون لتنظيم داعش هم من جنسياتٍ أوروبية ،من إجمالي عدد المقاتلين الأجانب البالغ حوالي (2000 ) مقاتلاً  معتقلين في عدد من المخيمات و السجون التي كانت تديرها “قسد”  تحت إشراف القوات الأمريكية.

يتوزع المعتقلون  من التنظيمات الإرهابية ومن تنظيم داعش تحديدا في عدد من المخيمات الكبيرة والسجون الصغيرة في منطقة سيطرة قوات قسد وكانت كلها تُدار بإشراف مباشر من القوات الأمريكية .وهناك عدد من السجون ،وثلاثة مخيمات كبيرة هي :

أكبر هذه المخيمات واشهرها هو “مخيم الهول”” شرقي مدينة الحسكة  على بعد (45) كيلومتر منها، ويتبع المخيم فعلياً لبلدة الهول التابعة إدارياً لمحافظة الحسكة. و يضم( 75000 ) شخصاً معظمهم مدنيين عراقيين وسوريين ، ويشكل الأطفال أكثر من ثلثي هذا الرقم، حيث تصل نسبتهم في المخيم إلى 66% من عدد السكان، و”أغلبهم لا يملكون أوراقا ثبوتية”، لا سيما الذين ولدوا على أرض “دولة الخلافة” بعد التحاق آبائهم بتنظيم داعش ، بحسب تقارير للأمم المتحدة. منهم( 4000 ) من النساء ،و (8000) طفل من عائلات المقاتلين الأجانب في  تنظيم داعش. وزاد وجود النساء  “الداعشيات” الأجنبيات في المخيم  من تعقيد مشكلة المخيم إذ مازلن يتمسكن بأفكار التنظيم المتطرف إلى الآن. وقام بعضهن بعمليات عنف في وضح النهار داخل المخيم معظمها متعلقة برفض ضحاياهن لأفكارهن المتطرفة ومحاولة طعن لبعض الحراس. ويعود سبب عنف نساء تنظيم داعش في المخيم الى أن  اللواتي يعشن في الهول كنّ آخر من خرج من بعد خسارة التنظيم لمعركة  الباغوز التي كان يسيطر عليها التنظيم.

وتزامنا مع بدء العملية العسكرية التركية، تحدثت مصادر حكومية  وسائل إعلام سورية عن تمكن بعض نساء الداعشيات من الفرار من المخيم . وأن القوات الأمريكية  قامت (الثلاثاء 15تشرين أول –أكتوبر 2019م) بعملية إخلاء عاجل للمخيم من نساء مقاتلي “داعش”، ونقلتهن  إلى “قاعدة الشدادي” في العراق بعد إقدام عدد منهن على مهاجمة حراس المخيم وإضرام النار في بعض الخيام.

هذا ومن المهم الإشارة الى أن هناك مخيم في سوريا يسمى “مخيم الشدادي/العريشة/السّد” جنوب مدينة الحسكة على مسافة (32) كيلو متر. ويحوي أكثر من (21000) ألف نازح سوري من محافظة دير الزور بشتى مناطقها، وتم إنشاؤه في تاريخ 10 حزيران/يونيو 2017، وذلك عقب نزوح العديد من أهالي محافظة دير الزور باتجاه محافظة الحسكة بسبب المعارك الدائرة ما بين تنظيم “داعش” والقوى المناهضة له مثل قوات سوريا الديمقراطية والقوات النظامية السورية.

المخيم  الثاني هو “مخيم عين عيسى” شمال مدينة الرقة وبالتحديد شمال بلدة عين عيسى ، وتمّ إنشاؤه بتاريخ 22 شهر تشرين الأول/أكتوبر 2016، وذلك عقب ازدياد أعداد النازحين من محافظة الرقة ودير الزور التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم “داعش” آنذاك، وكان المخيم 2016م يحوي (36000) ألف نازح سوري غالبيتهم من محافظة الرقة ودير الزور، ويحوي حالياً على  (12000) شخصاً  ،منهم (1000) طفل ،(256) نساء من عائلات المقاتلين الأجانب   تنظيم داعش .

وقد تواترت المعلومات والأنباء حول  أن هذا المخيم قد سقط وفر كل المعتقلين فيه بعد العملية العسكرية التركية ؛خاصة وأنه المعتقل الوحيد الذي يقع ضمن منطقة عمليات الجيش التركي والمنطقة الأمنه التي يسعى الأتراك الى إقامتها.

و المخيم الثالث هو في قرية (تل أسود) ،أو ما يطلق عليه بالكردية (سجن روج) وهو يقع على مدخل مدينة المالكية/ديريك  في محافظة الحسكة ، كان يضم في نهاية عام 2018م حوالي( 20000) مخصص لعائلات تنظيم داعش ،وكان يضم بعض النازحين المدنيين من العراق وسوريا،  لكن العدد تقلص إلى قرابة 2000 معتقل منهم 1500 من نساء وأطفال المقاتلين الأجانب خاصة الأوروبيين من هولندا والبوسنة وتركيا وغيرها.  

وهناك عدد آخر من المخيمات الموجودة –حسب مصادر إعلامية سورية مختلفة-  ضمن منطقة سيطرة إدارة الذاتية للأكراد ،لكن لا يتوفر لدينا أية معلومات دقيقة عن اعداد الموجودين فيها حالياً،أو فيما إذا كانت تحوي معتقلين من مقاتلي داعش وعائلاتهم.  وهذه المخيمات هي :

1- مخيم مبروكة:

يقع “مخيم مبروكة” غربي مدينة رأس العين في محافظة الحسكة، وتم إنشاؤه في تاريخ  28 كانون الثاني/يناير 2016، وذلك بعد نزوح  العديد من أهالي محافظتي دير الزور والرقة إلى هنالك، بسبب المعارك الدائرة بين القوات النظامية السورية وقوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم “داعش” في كلتا المحافظتين، وتحوي على أكثر من 6000 الاف نازح من مناطق دير الزور والرقة.

2- مخيم مشتى نور

يقع المخيم غرب مدينة كوباني/عين العرب، حيث تمّ افتتاحه بعد ازدياد أعداد النازحين من محافظتي حلب ودمشق باتجاه مدينة كوباني وتحديداً بتاريخ 1 آذار/مارس 2015، ويحوي المخيم على (450) نازح سوري.

3- مخيم نوروز

يقع المخيم غرب مدينة المالكية / ديريك شمالي غربي محافظة الحسكة، حيث تمّ افتتاحه في22 حزيران/يونيو 2014 وافتتح نتيجة وجود عوائل عراقية هاربة من ناحية شنكال العراقية، ويحوي المخيم على حوالي (500) لاجئ عراقي من المناطق المذكورة و حوالي 3500 نازح سوري من دير الزور والرقة،

4- مخيم الطويحنة

يقع المخيم شمالي غرب مدينة الرقة بالقرب من قرية الطويحنة، حيث تمّ افتتاحه نتيجة قدوم النازحين من مدينة الرقة وذلك في السادس عشر من شهر أيار عام 2017، ويحوي المخيم على (6200) نازح سوري من مناطق محافظة الرقة،

5- مخيم الكرامة

يقع المخيم على بعد 5 كيلو متر من بلدة الكرامة  و يبعد حوالي 180 كم جنوب غرب مدينة الحسكة، حيث تمّ افتتاحه نتيجة وجود نازحين  من محافظة الرقة في تلك المنطقة في الخلاء بتاريخ 6 آذار 2017، ويحوي المخيم على (300) نازح سوري من محافظة الرقة، بينما تديره الإدارة الذاتية وهو يعتبر كممر وموقف للنازحين القادمين من الداخل لمحافظة الرقة لحين أرسالهم إلى مخيمات أخرى مجهزة كون أن هذا المخيم لم يكن مجهزاً بالشكل المناسب .

  وهناك عدد من السجون الأخرى التي لم تكن معروفة سابقاً للمتابعين قبل حديث وسائل الأعلام عن هروب أعضاء من تنظيم داعش منها بالتزامن مع العملية العسكرية ، مثل نفكور و سجن جركين في غرب القامشلي الذي  يضم المئات من مسلحي “داعش” من جنسيات أجنبية وعربية متعددة.

مخاوف واتهامات متبادلة   

 بالعودة الى ردود الفعل على العملية ؛نؤكد مرة أخرى أن المحرك الرئيس لردة الفعل الأوروبية  السريعة والقاسية على الخطوة الأمريكية والعملية العسكرية التركية هو الخوف من الهروب الكبير للأوروبيين المعتقلين الــ(1000) من السجون والمخيمات بغض النظر عن من هو المسؤول عن عملية فرارهم سواء كان الأمريكان أم الأتراك أم قوات قسد، خاصة في ظل تضارب الأنباء والمعلومات والاتهامات بين الأتراك والأكراد الآن عن مسؤولية فرار معتقلي تنظيم داعش بشكل عام والمقاتلين الأجانب بشكل خاص .

لقد أثار الغزو التركي، الذي استهدف مناطق يتواجد فيها الآلاف من مقاتلي داعش، الكثير من علامات الاستفهام بشان الهدف من العملية العسكرية، وما إذا كانت أنقرة تهدف من خلالها إلى تحرير معتقلي تنظيم داعش .  خاصة وأن القوات التركية، استهدفت في عمليتها، المناطق المتواجدة في شمال شرقي سوريا، وهي نفسها المناطق التي كان تنظيم داعش الإرهابي يسيطر عليها منذ فترة، قبل تحريرها من طرف قوات سوريا الديمقراطية بدعم من الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق ؛ أثار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “مخاوف بالغة” إزاء تداعيات فرار مقاتلين من داعش جراء الهجوم التركي، داعيا إلى “خفض تصعيد فوري” في شمال شرقي سوريا.

و سارعّ  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاثنين 14تشرين أول –أكتوبر 2019م  الى الادعاء عبر تغريداته  إن القوات الكردية – ربما- تطلق عمداً سراح معتقلي تنظيم داعش لدفع القوات الأمريكية إلى العودة للمنطقة. وأضاف أنه سيكون ”من السهل للغاية أن تعيد تركيا أو الدول الأوروبية التي ينحدر منها الكثيرون احتجازهم، لكن ينبغي لهم التحرك بسرعة” ؟

وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتاريخ  11 تشرين الأول/أكتوبر2019م ، إن العملية العسكرية التركية قد تحيي خطر تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة بحجة أنّ الآلاف من مقاتلي التنظيم المحتجزين في معتقلات تحت إشراف الأكراد قد يستعيدون حريتهم، وتساءل “أين سيذهبون وكيف؟”

من جانبه ردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتاريخ  10 تشرين الأول/أكتوبر، على هذه الانتقادات. وقال “سنفعل ما هو ضروري مع المساجين من تنظيم الدولة الإسلامية، من يجب أن يبقوا في السجن سنبقيهم فيه، وسنرسل الآخرين إلى بلدانهم الأصلية، إذا قبلت هذه الأخيرة”؟

 كما إدّعى  وزير الدفاع التركي/ خلوصي أكار (الاثنين 14تشرين أول –أكتوبر 2019م) أنّ “هناك سجن واحد لداعش  في منطقتنا” أي في منطقة العمليات العسكرية التركية . وإن مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية السورية أفرغوا هذا السجن،  مضيفا أن السجناء قد خُطفوا، وإن “وحدات حماية الشعب الكردية” أفرغت هذا السجن الوحيد لتنظيم داعش الذي وصلت إليه القوات التركية إلى الآن في ”المنطقة الآمنة“ المزمعة وإن النزلاء تم نقلهم بالفعل؛  دون أن يذكُر اسم هذا السجن أو  الى أين نُقلّ السجناء؟

لكن تقرير إعلامية أشارت الى أن هذا السجن يقع في  وسط مدينة ” تل الأبيض” التابعة لمحافظة الرقة وفيها معبر تل ابيض مع تركيا ، وتتبع لها  مدينة عين عيسى  التي تحوي مخيماً كبيراً لمعتقلي تنظيم داعش يضم (12000) معتقل ويسيطر علية قوات “قسد”.  

وكانت  الإدارة الأكراد في المنطقة قد أشارت الى إن( 785 ) من الأجانب المنتمين إلى تنظيم داعش فروا من معسكر “عين عيسى”  في بداية العملية العسكرية التركية. فيما أكدت معلومات لخبراء في مجال الإرهاب نقلاً عن احد قادة “قسد” بتاريخ 13تشرين أول –أكتوبر 2019 الى أن مخيم “عين عيسى” قد سقط بالفعل وفر كل الموجودين فيه من مدنيين وأعضاء من تنظيم داعش وعائلاتهم ؛ وعُرف منهم البريطانية  المدعوة توبه جندال (Tooba Gondal) عمرها  27 سنة وتلقب أم مُثنى البريطانية ، وتلقّبها الصحف البريطانية بصانعة الزيجات (Matchmaker)ولديها طفلين ، كانت وتنشط داخل المخيم في الدعم والدعاية  للتنظيم، وكانت متزوجة من 3 من مقاتلي داعش المشهورين أحدهم كان مقاتل انتحاري قتل 90 شخصاً ،وآخر يُدعى / أبو العباس اللبناني (Abu Abbas al- Lubnani)  قتل في سوريا ، كان من المسؤولين المهمين  عن حملات التجنيد في بريطانيا  لمصلحة التنظيم ، وكانت توبه قبل العملية العسكرية التركية تطالب  الحكومة البريطانية السماح لها بالعودة الى بريطانيا مع أطفالها .

في النهاية ؛وفي تقّيمٍ أولّي لنتائج العملية العسكرية ، هناك شبه إجماع بين خبراء مكافحة الإرهاب على أن الخطوة التي اتخذها ترامب بالانسحاب من سوريا والتخلي عن قوات “قسد” كانت ضربة صاعقة لكل الجهود الدولية منذ 2011م لمكافحة الإرهاب في سوريا.

حُجة هؤلاء الخبراء بأن هذه الخطوة سلبية وغير مدروسة و تمثل علامة فشل في التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وتعطي مثالاً سيئاً ومحبطاً لكل جهود التعاون المشترك وتشارك المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الإرهاب العالمي بشكلٍ عام ،وتشكك في مصداقية أمريكا والتزامها بالتحالفات سواء على المدى التكتيكي قصير المدى، أم الاستراتيجي على المدى الطويل. والأخطر من ذلك أن حصيلة الغزو  ستُعيد خطر الإرهاب الى المنطقة وتبعث تنظيم داعش من جديد في المنطقة، والنشاط في الخارج خاصة في الساحات الأوروبية التي ربما نجح بعض الكوادر بالتسلل اليها مستغلين حالة المعارك والفوضى في المنطقة.  خاصة إذا توسعت  العملية العسكرية أكثر في العمق


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply