التعاون الدولي وتشارك المعلومات في مجال مكافحة الإرهاب

0

د. سعود الشرفات

د. سعود الشرفات*
الإرهاب المعاصر ظاهرة متجاوزة للحدود الدولية، وأصبح بالتالي تحديا ومشكلة عالمّيين. وقد ساهمت العولمة بمختلف آلياتها في تسارع وانتشار خطر الإرهاب، بحيث لم تعد الدول فُرادى بقادرةٍ وحدها على مواجهة هذا التحدّي ومكافحة خطر الإرهاب بحرفيّة وفعاليّة.
أصبح الإرهاب المعاصر أحد أهم آليات العولمة، ثم سلعة أو مصدرا من مصادر الثروة والقوة للأطراف الفاعلة من غير الدول (الجماعات والمنظمات الإرهابية)، وبندقية للإيجار في يدي بعض الدول لتنفيذ أجنداتها السياسية.
وامتلاك الدول للمعلومات الاستخبارية واللوجستية عن الإرهاب يمثل أيضا سلعة لا تقدر بثمن؛ تباع وتشترى في سوق صراع السياسة العالمية العنيف والمتوحش اليوم.
تخيلوا معي كم كانت ستدفع فرنسا وبلجيكا لقاء معلومات استخبارية من مصادر موثوقة تحول دون تعرضهما لإرهاب تنظيم “داعش” أو غيرها.
وعلى الرغم من الأهمية القصوى لقضية السرّية والاحتكارية العالية جدا، والحساسية التي تميز المعلومات الاستخبارية، باعتبار المعلومات السرية جدا والمحصورة مصدر قوة وسلعة ثمينة جداً للدول وأمنها الوطني الشامل، إلا أن التحديات التي بات يشكلها الإرهاب العالمي المعاصر، والتحولات العميقة والواسعة التي أعقبت عمليات تنظيم “القاعدة” ضد الولايات المتحدة في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، نقلت موضوع الاهتمام  بالإرهاب إلى مستوياتٍ أعلى؛ سواء على الصعيد الأمني أو العسكري، أو على صعيد الدراسة والتحليل والبحث الأكاديمي، خاصة بعد أن توصلت لجان التحقيقات الأميركية الرسمية حول تلك الهجمات إلى أنّ العراقيل السياسية والتقنّية حالت دون مشاركة الأجهزة الاستخبارية الأميركية للمعلومات التي كان من شأن تشاركها أن يحول دون تلك الهجمات الإرهابية.
وهذه التغيرات والتحولاّت أدت إلى الكثير من التغيرات في كيفية مقاربة الأجهزة الأمنية لموضوع المعلومات والمبادئ الاستخبارية ومعالجة معضلة الصراع الحاد بين مبدأ الحاجة للمعرفة ومشاركة المعلومات الاستخبارية.
إذ لحل هذه المعضلة التي أطلق عليها مدير المخابرات الوطنية الأميركية جيمس كلابر، العام 2010، مسمى “المنطقة الحلوة”؛ وهي المنطقة المشتركة بين سرّية المعلومات الاستخبارية ومشاركة المعلومات الاستخبارية، تم إنشاء ما يعرف بـ”بيئة مشاركة المعلومات” التي تنسق مشاركة المعلومات الاستخبارية لجميع أذرع المجمع الاستخباري الأميركي المختلفة، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب على المستويين الداخلي والخارجي.
جلالة الملك عبدالله الثاني، يدرك ويعلم هذه الحقائق والضرورات بحكم التجربة العسكرية والاستراتيجية المتراكمة والتاريخية. ومن ثم، فقد شدّد جلالته على أهمية التعاون ومشاركة المعلومات ضمن أطر محددة؛ سواء عبر التبادل المباشر والثنائي أو عبر التحالفات الدولية كالتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، وقبله التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي ظهر بعيد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وفي كلمته في القمة التي استضافها الرئيس الأميركي باراك أوباما، في نيويورك بتاريخ 29 أيلول (سبتمبر) 2015، لبحث جهود التحالف الدولي لمواجهة التطرف والإرهاب وعصاباته بالعالم، قال جلالة الملك: “أشكر الرئيس أوباما على ما يبديه من قيادة وتصميم، وما يبذله من مساع إزاء ما نناقشه اليوم من جهود للتحالف الدولي في مواجهة الإرهاب، والذي قد يكون الخطر الأكبر في تاريخنا المعاصر… تحدثت، في العام الماضي، ومن على هذا المنبر أيضا، عن حاجتنا لإيجاد ما أسميه “ائتلاف أصحاب الإرادة”، وقد تم إنجاز ذلك بالفعل… بالرغم من أن هذه الحرب تدور رحاها في ميادين القتال، إلا أنها لن تحسم إلا في ميادين الفكر…”.
لقد فرض الإرهاب العالمي المعاصر -الذي يمثل معظمه الآن “داعش” و”بوكو حرام” و”القاعدة” وتفرعاتها المختلفة- في الحقبة الحالية من العولمة نفسه على أجندة السياسة العالمية، بعد أن أصبح من أهم أدوات العنف السياسي والسياسة الدولية؛ فقد استغل “القوة الخشنة” وبمنتهى الرعب. ويتفنن الآن أكثر من الدول في استخدام “القوة الناعمة”؛ من خلال براعته في استخدام آليات العولمة التكنولوجية؛ الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي، الاتصالات، والمواصلات، لتنفيذ العمليات الإرهابية، والدعاية، والتجنيد، وجمع الأموال.
ولذلك، تدرك الأسرة الدولية الآن، أكثر من أي وقت مضى، أهمية التعاون الدولي والتنسيق المشترك لمكافحة الإرهاب.
يقول جلالة الملك عبدالله الثاني في القمة المشار إليها سابقاً أيضا: “إن كلا من داعش، وحركة الشباب، وبوكو حرام وغيرها من العصابات الإرهابية، تمثل وجوهاً متعددة لنفس الخطر الذي نواجهه؛ فهم يتواجدون في سيناء وليبيا واليمن ومالي والآن في أفغانستان وفي أماكن أخرى في أفريقيا وآسيا. ولن يكون أي منّا في مأمن حتى نجد طريقاً لمعالجة هذا الواقع المبني على سلسلة من التحديات. إن هذا ليس تحديا تواجهه دولة بعينها، على مستوى محلي أو إقليمي، بل هو تحد جماعي، يعنينا جميعاً. وفي هذا السياق، فإن الأردن -كونه بلدا مسلما وعربيا- قد بدأ جهودا مشتركة تجاه دول في أفريقيا للمساعدة والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لبناء شراكة كفيلة بمواجهة المخاطر المتعددة… إننا على يقين بأنه لا بديل من إيجاد نهج شمولي وإدامة التنسيق الحثيث بين جميع الدول والشركاء، بأسلوب يأخذ بعين الاعتبار التهديد الذي تمثله مجموعات إرهابية متعددة على امتداد المنطقة. ونأمل بأن يؤدي هذا إلى تنسيق البرامج والجهود الموجهة لمحاربة التطرف، وتقديم الدعم الأمني ضمن استراتيجية موحّدة”.
*المدير العام لمركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب

  • – نشر هذا المقال أصلا في صحيفة الغد الاردنية ، واعيد نشرة على موقع منتدى الوسطية في عمان -الأردن.

About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply