استراتيجية باراك أوباما في مكافحة الإرهاب مزيج من الواقعية السياسية والليبرالية الجديدة

0

 


أوباما لا يعتقد أن الإرهاب قضية كبيرة؟!

لن يأتوا إلى هنا لقطع رؤوسنا”obama_book_03
لن نسمع الرئيس يعلن سياسة خارجية جديدة لهزيمة “داعش”، لأن أوباما يعتقد على مستوى أساسي بأن هذه الأنواع من الهجمات الإرهابية تعد ثمناً مقبولا يدفع في مقابل عدم التدخل الأميركي في الشرق الأوسط.
تلتقط فقرة من مقالة جيفري غولدبرغ في عدد نيسان (أبريل) لمجلة “الأتلانتيك” بعنوان “عقيدة أوباما” جوهر تفكير أوباما “داعش” والإرهاب الإسلامي الراديكالي بشكل عام. ومباشرة عقب هجمات باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، هوجم أوباما الذي كان حينها في رحلة عالمية رئاسية عندما وقعت الهجمات، بسبب فشله في فهم الخوف عند العديد من الأميركيين من أن أحداثاً مثل تلك قد تحدث هنا. لكن هناك ما يفسر السبب في أن أوباما لم يتأثر -ولم يكن الاضطراب الناجم عن الرحلة الجوية الطويلة. ويمضي غولدبرغ للإشارة إلى أن أوباما لم يعتقد أبداً بأن الإرهاب يشكل تهديداً لأميركا معادلاً للخوف الذي تولده. وحتى خلال الفترة في العام 2014 عندما كان “داعش” يعدم رهائنه الأميركيين في سورية، ظلت عواطفه قيد السيطرة. وكانت فاليري جاريت، أقرب مستشاري أوباما قالت له إن الناس قلقون من احتمال أن تنقل المجموعة حملة قطع الرؤوس إلى الولايات المتحدة. فطمأنها الرئيس بقوله: “لن يأتوا إلى هنا لقطع رؤوسنا”. وكان أوباما كثيراً ما يذكر موظفيه بأن الإرهاب يقضي على أرواح أناس في أميركا أقل مما تقضي عليها الأسلحة الشخصية وحوادث السيارات وحالات السقوط في أحواض الاستحمام.
غالباً ما يردد متملقو أوباما في وسائل الإعلام هذه النقطة. وفي بعض الحالات يتبعون حرفياً اقتراح الرئيس بتسجيل عدد الأميركيين الذين قتلوا في هجمات إرهابية ومقارنتهم بعدد الأميركيين الذين قتلوا بسبب عنف السلاح. وهي ممارسة مفيدة إذا أردت أن تقلل إلى الحد الأدنى من حجم تهديد الإرهاب والدفع نحو ضبط أكثر صرامة للأسلحة، لكنها لا تفعل الكثير في معالجة المشكلة المركزية الكامنة في الهجمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة التي تُشن على التراب الأميركي.
وبطبيعة الحال، كان هذا على وجه التحديد هو ما حاولت عقيدة بوش معالجته في أعقاب 11/9. وكانت الفكرة تقوم على أنه لا يمكن السماح لملاذات الإرهاب الآمنة بأن تسود في أي مكان في العالم، وخصوصاً في الأماكن البعيدة وغير الخاضعة للحكم مثل أفغانستان؛ حيث يوجد متسع لتنظيم القاعدة لحشد الموارد والتخطيط لشن هجمات. وعلينا الذهاب إلى هناك، ليس من أجل الانتقام وحسب، وإنما على وجه التحديد لإحباط تخطيط وتنفيذ مؤامرات مستقبلية ضد الغرب. وكان الرئيس بوش قد قال بعد أسبوع من هجمات 11/9 “سوف نحرقهم”، وأضاف: “يجب على “طالبان أخذ تصريحاتي على محمل الجد”.

وبعد أسبوعين كانت الطائرات الأميركية والبريطانية تقصف قوات طالبان القاعدة في شمالي أفغانستان وقد تنصل أوباما -الذي انتخب على قاعدة الوعد بإنهاء حروب أميركا بعد 11/9 وإعادة القوات من العراق وأفغانستان- من هذه العقيدة فعلياً؛ فقام بسحب القوات الأميركية من العراق في العام 2011، وأنهى من الناحية الرسمية العمليات القتالية في العام 2014. وفي الحالتين، ادعى أوباما بأن حكومتي هذين البلدين تستطيع بمساعدة بالحد الأدنى من أميركا، التعامل مع المجموعات الإرهابية التي ما تزال تعمل في بلديهما. ومن الطبيعي أننا ما نزال نتوافر على قوات لنا في العراق وأفغانستان، وأن أعداد الجنود الأميركيين المنتشرين في أدوار قتالية ما تزال تزداد بهدوء مع اتضاح الصورة بأن حكومتي البلدين ليستا قادرتين على النهوض بمهمة قتال “داعش” وطالبان المنبعثة مجددا.
الحجة لمحو “داعش” من الوجود
هناك، بطبيعة الحال، حجة قوية فيما يتعلق بنشر عدد كبير من القوات البرية الأميركية في العراق وسورية ومحو “داعش” من الوجود مرة وإلى الأبد. ويشجع مجرد تواجد المجموعة المسلمين المتطرفين والمتعاطفين معها في عموم الكرة الأرضية، والذين لا يبدو أنهم مهتمون بما إذا كان “داعش” يخسر الأرض في سورية والعراق. ويبقى الإحساس السائد هو أنهم في صعود. فبعد كل شيء، صمد “داعش” هناك لوقت طويل، متمرداً على الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى التي تدعو إلى تدميره، لكنها غير راغبة في تنفيذ ذلك.
يمكن القول إن تدمير “داعش” سوف يُري أشباه متين في كل العالم أن “داعش” هو قضية خاسرة. ومثل مطلقي النار في سان برناردينو سيد رضوان فاروق وتحسين مالك، فإن متين استوحى الإلهام من “داعش”، لكن من غير المرجح أن يكون قد أجرى أي اتصال مباشر مع المجموعة. وقد زعم أنه تذكر 11/9 مباشرة قبل تنفيذ هجومه وأعلن الولاء لداعش”. وفي الحقيقة ربما كان يفكر في شيء من هذا القبيل منذ أعوام. وكان مكتب التحقيقات الفدرالي (أف. بي. آي) قد حقق معه مرتين، في العام 2013 و2014 بعد أن قال ضمناً لعمال معه إن لديه صلات مع إرهابيين.
من جهته، شجع “داعش” شن مثل هذه الأنواع من الهجمات ضد المدنيين، وسوف يستمر في ذلك. وقد يتبين أن رجلاً مسلحاً بمسدسات ومتفجرات اعتقله مكتب التحقيقات الفيدرالي يوم الأحد واعترف بأنه كان يخطط لحضور مسيرة للمثليين في لوس أنجلوس، كان أيضاً قد استلهم “داعش”. وقد يتبين أننا سنشاهد الكثير جداً من مثل هذا في الأسابيع المقبلة، نظراً لتشجيع “داعش” أتباعه على تنفيذ هجمات خلال شهر رمضان الذي يستمر حتى 5 تموز (يوليو) المقبل.
ولكن، وبغض النظر عن كم لدينا من الناس في أورلاندو أو سان بيرناردينو، فإن ذلك لن يقنع أوباما بأن الإرهاب الإسلامي المتطرف يكفي كتهديد لتبرير كلفة حرمان المجموعات الإرهابية من أن يكون لها ملاذ آمن وراء البحار. والأهم أن العودة إلى نسخة ما من عقيدة بوش، لن يساعد أوباما في معاركه السياسية المحلية التي تشكل المواضيع الحقيقية لسياسته الخارجية. لكن هناك ثمن لهذا أيضاً، والذي يرجح أن نستمر في دفعه من الأرواح الأميركية المفقودة -وليس في وراء البحار، وإنما هنا في الوطن.

المصدر : صحيفة الغد الاردنية ، الخميس 16-6-2016


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply