نظرية النظام العالمي الحديث إيمانويل فالرشتاين / مصادر الأزمة في النظام العالمي الحديث

0

 

نظرية النظام العالمي الحديث:  إيمانويل فالرشتاين

 

“هنالك شيء ما سيبنى. وإذا لم نشارك في هذا البناء فإن الآخرين سيحددونه لنا”

(Wallerstein، 1996، p.106).

بهذه العبارة المكثّفة – أعلاه – ينهي فالرشتاين إحدى مقارباته لأزمة النظام العالمي الرأسمالي الذي يرى بأنه يتجه في سيرورته (process) إلى نهايات مفتوحة ومبهمة وخطيرة جدا من جهة غير مبالاتنا وسلبيتنا wallerstein، 1996، p.105) ).

يزعم (فالرشتاين) بأنه وعلى الرغم من الاستقرار الظاهر “للنظام العالمي الحديث” أنه مُقدم في العمق على الدخول في فترة أزمة نهائية، وهنا يظهر كيف تأثر (فالرشتاين) بالماركسية – اللينينية وتنظيرها حول استمرار أزمات النظام الرأسمالي، ويعزو هذه الأزمة إلى جملة من العوامل التي تتعلق بالاقتصاد، وتتجسد في استمرار عملية التراكم الرأسمالي الذي أدى إلى مشاكل بيئية كارثية على المدى الطويل، وترفق معها انخفاض مستوى الرفاه الشعبي، ولقد سبق أن أشرنا إلى عدد من المؤشرات الاقتصادية التي يدلل بها فالرشتاين على عمق المشكلة الاقتصادية. مع ضرورة الإشارة أيضا إلى أن معظم النقد الموجه لنظرية فالرشتاين انصب على الزعم بالصبغة الاقتصادية للنظرية.

وفي هذا الإطار، يتحدث فالرشتاين عن الدورات الاقتصادية في هيكلية الإنتاج العالمي، فيؤكد بأن الإيقاع الرئيس هو ما يسمى بدورات نيكولاي كوندراتيف (Kondratieff cycle) (التي مدتها من 50-60 عاما بالمتوسط) [1] وأن هذه الدورات هي ما يميز الإنتاج في النظام العالمي، والتي تعبر عن آلية خلق الاحتكارات الرئيسة (في المرحلة-A) ثم القيام بعكس هذه العملية في (المرحلة-B) حينما يدخل عملية الإنتاج والسوق منتجون وعارضون كثر. أما الهيكل العام لنظام الدول، فتقوده دورة أطول أطلق عليها “دورة الهيمنة” (hegemonic cycle) وأن العالم عرف ثلاث قوى مهيمنة في تاريخ النظام العالمي الحديث هي:

-1 الأقاليم المتحدة في منتصف القرن السابع عشر

-2 المملكة المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر

-3 وأمريكا في منتصف القرن العشرين. (wallerstein، 1996، pp.98-99).

فلنقارن بين ما قاله فالرشتاين عن نتيجة أزمة النظام العالمي وتوقعاته تلك مع ما قاله لينين في أيار 1918م، فماذا يقول لينين عند توصيفه لازمة الرأسمالية آنذاك وحديثه عن حتمية انتصار الاشتراكية، قال: “كل ما كنا نعرفه كل ما أوضحه لنا بدقه خيره عارفي المجتمع الرأسمالي هو أن هذا التحول يجب أن يتم بصورة محتمة تاريخياً لكنه لم يكن في مقدورنا أن نعرف لا أشكال هذا التحول، ولا وتائر تطور التحويل الملموس. أن التجربة الجماعية تجربة الملايين من الناس هي وحدها التي تستطيع أن تعطي التوجيهات بهذا الصدد” (راكيتسكي، 1979، ص 38).

فماذا يعني ذلك؟ أنه يعني ببساطه أن فالرشتاين قارئ ودارس ومستوعب فائق للينين، لكنه في تحليله النهائي لم يخرج من عباءته إطلاقا، والنقد الذي يوجه إلى فالرشتاين لا يوجه له، بل يوجه إلى لينين وحتى وإن كان لينين، وقبله ماركس عندما يتحدث عن التناقضات، يركز على التناقضات التي تحدثها تلك الظاهرة بين البلدان الرأسمالية المتقدمة (المركز) (منصور، 1999م، ص 2). فهذا لا يمنع من أن فالرشتاين طور الفرضية الرئيسة عن لينين.

وفي إطار تحليل (فالرشتاين) لأزمة النظام العالمي الرأسمالي خاصة في الجانب الاقتصادي من الأزمة، نقف على مساهمة مهمة للمنظر الاقتصادي الأمريكي وحائز جائزة نوبل للاقتصاد 2001م جوزيف ستغلتز (Josep.Stiglitz، 2006) ففي مقالة مهمة له بعنوان (أنا أعترض: حكمة الاقتصاد غير التقليدي (I Dissent: Unconventional Economic Wisdom) يتساءل: هل الهزات الاقتصادية المختلفة ابتداء من الأرجنتين إلى أوروبا وصولاً إلى الولايات المتحدة هي انحرافات؟ وهل الأزمات الاقتصادية (الركود) والانتعاش الاقتصادي (boom and bust) هي ملامح دائمة للرأسمالية؟. وهل الأسواق العالمية بحاجة إلى قوانين وإجراءات عالمية (global regulation) وبناء عليه، هل المؤسسات فوق القومية هي الأنسب لهذه القوانين والتعليمات ثم يصل في تساؤلاته المهمة إلى عمق المسألة التي ترتبط بالتساؤل المركزي عند فالرشتاين (حول الشكل المستقبلي للنظام العالمي الرأسمالي)، (والذي تركه فالرشتاين مفتوحاً على كافة الاحتمالات حسب اعتقادي)، وهي البحث عن “طريق ثالث” (Third way) : مسار بين حرية الأسواق من جهة والتخطيط المركزي من جهة أخرى، أو بمعنى آخر بين الرأسمالية العالمية الحالية، وبين اشتراكية الأمس المنبوذة (discredited socialism).

وهنا يجب أن لا يغرب عن البال أن هذا “الطريق الثالث “كان ميدان بحث مهم عند العديد من المنظرين في الاجتماع والاقتصاد ونظرية العولمة، ولعل أشهرهم المنظر الاجتماعي البريطاني أنطوني جيدنز في كتابه “الطريق الثالث: تجديد الديمقراطية الاجتماعية 1998م” الذي ركز على الجانب السياسي للمشهد العالمي وفهم سيرورة العولمة والتحولات في الحياة الخاصة للبشر والنظرة إلى البيئة.

وإذا كان (ستغلتز) يرى في “الطريق الثالث” للاقتصاد العالمي رؤية مستقبلية، فإن الاقتصادي الأمريكي الآخر أدموند فليبس (Edmund Phelps) (حائز جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2006م) يرى بأن التجديد الأساسي للاقتصاد، ليس كما يطالب الليبراليون الجدد (Neoliberals) بخفض الضرائب على الأعمال لخفض نسبة البطالة، لأن فعالية ذلك ستكون موضع تساؤل، إذا انتشر نموذج دولة الرفاه، خاصة وأن فالرشتاين نفسه ألمح إلى ذلك عند حديثه عن مصادر الأزمة في النظام العالمي الحديث الاقتصادية، والسياسية (هوبدن، وجونز، 2004م، ص ص 300-302).

لذلك وصف فيليبس (Phelps) رؤية الليبراليين الجدد بالأمل الخاطئ (False Hope) بأنها تحرف صناع القرار عن تحقيق الديناميّة (Dynamism) والإصلاحات الرئيسة المتمثلة في مستويات عليا من التجديد والابتكار الذي تعتمد كافة قطاعات الإنتاج العالمية (Edmund Phelps، 2006، P.P 1-3).

وهنا نلاحظ بأن ستغلتز وفيليبس وفالرشتاين يتفقون (وإن بشيء من التباين) بأن حل أزمة النظام الرأسمالي الاقتصادية يبقى من خلال استمرار نفس وحدات العلاقات الدولية – الدول – وإن زاحمتها أعداد جديدة ومتزايدة من الوحدات (عبد الحي، 2002م، ص 15).

ولعل من الملفت للانتباه أن دانييل كولار (Daniel collard) أشار في دراسته (العلاقات الدولية، 1977م) أي قبل حوالي أربعة عقود بأن المجتمع الدولي يبدو مطبوعا في هذا الربع الأخير من القرن العشرين بثلاثة تيارات: “التطور نحو العالمية، والتوجه نحو السلمية، والحاجة إلى الإنسانية” (كولار، 1980م، ص 169)

وعليه، يمكن القول بأن حديث ستغلتز عن الطريق الثالث، يبدو لا يختلف عن “الطريق الثالث” عند أنطوني جيدنز إلى عهد قريب. أو “نموذج السلام” عن طريق التوافق بين الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية الأقدم نسبيا، الذي يتسم بتفاؤل من انتصار التماثلات الاقتصادية والتكنولوجية على اختلاف الإدارة والبنيات، من خلال ما يسمى نموذج “التهجين” (جان تبرجن، وبيتريم سوركين)، حيث يحدث نوع من التداخل بين النموذجين: الرأسمالي والاشتراكي يؤدي في النهاية إلى نموذج اجتماعي- ثقافي مختلط. وإلى “طريق ثالث” بين الاشتراكية التسلطية، والرأسمالية المتوحشة. والنموذج الآخر (التركيب) (ولت روستو، جون كينيث غالبريث، ريمون آرون) الذي يرى أصحابه بأن كل المجتمعات الصناعية تسير نحو نوع جديد من المجتمعات يختلف جذريا عن النوعين السابقين، وأنه لن يكون هناك ثمة تطور نحو الاختلاط عن طريق “التهجين”، بل عن طريق “التركيب” الناتج عن عمليات التحول والتجديد الذي سيكون نتيجة حتمية لثورة التكنولوجية والعلمية، (هنا نلاحظ بأن فيليبس تحدث عن “ديناميّة” التجديد والابتكار وبروز “دولة صناعية جديدة” ووجود “بنية تقنية” والتواطؤ بين “مسؤولي” القطاع الخاص والعام. (كولار، 1980، ص173).

ثم يتحدث فالرشتاين عن المصدر الثاني لأزمة النظام الرأسمالي متمثلةً بالمصادر السياسية، التي تتمثل بالهزات المتكررة التي يتسم بها النظام العالمي، نتيجة ظروف عدم المساواة، مما أدى إلى بروز جماعات أطلق عليها (فالرشتاين 1970) اسم “الحركات المناوئة للنظام” (antis systemic movement) (هوبدن، وجونز، 2004م، ص ص 300-304).

ولقد أكد (فالرشتاين) في دراسة له بعنوان (ثورات جديدة ضد النظام: New Revolts Against The System) ونشرت في دورية اليسار الجديدة (New Left Review، 2002) بأنه ابتكر الاسم أعلاه عام (1970م) بهدف إيجاد توليفة توحد ما كان تاريخيا وتحليلياً حركتين مختلفتين واحدة تحت مسمى حركات اجتماعية، والأخرى حركات قومية، ويضيف بأن هذين النوعين من الحركات ظهرا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم نميا بقوة مع مرور الوقت. وقد قامت هذه الحركات بدور انفصامي نوعا ما داخل النظام العالمي من حيث إنها “تقوّض وتعزز في آن معاَ البنية السائدة” (Wallerstein، 2002، P.1).

والحديث عن هذه الحركات المناوئة للنظام، يدخلنا إلى المصدر الثاني لأزمات النظام، وهو الإطار الثقافي، لأن فالرشتاين يستخدم آليات هذه الجماعات للدلالة على وجود الأزمة لإيديولوجيا الليبرالية، والماركسية، والهجوم على دولانية النظام القائم، خاصة بعد أحداث 1968 في باريس وربيع براغ، والتي يحاجج فالرشتاين بأنه رغم اختلاف أهداف المشاركين إلا أنه كان لهم هدفان رئيسيان هما:

أ- رفض الهيمنة الأمريكية من جهة، والتواطؤ: (Collusion) السوفيتي معها من جهةٍ أخرى.

ب- إدانة “اليسار القديم” (old left) بحجة أنه لم يكن جزءا من الحل، بل جزءا من المشكلة. (Wallerstein، 2002، P.3)

بالطبع قد يختلف تحليل (فالرشتاين) مع آخرين بهذا المجال، إلا أننا نود أن نلفت النظر إلى المقاربة المشهورة في مجال رؤية وتحليل أحداث 1968م، التي ينظر إليها في الكثير من الأحيان بنوع من الاستخفاف، ونعني بذلك مقاربة جان فرانسوا ريفيل.

لقد أكد جان فرانسوا ريفيل في كتابه الشهير: لا ماركس ولا المسيح Francois Revel، NL Marx NL Jesus، 1970) Jean-) والذي صدر بعد عامين من تلك الأحداث 1970م باللغة الفرنسية- أن بعض الفئات الراديكالية التروتسكية مثل جماعة (الويذرمن) ارتكبت بعض الهجمات الإرهابية بالقنابل في نيويورك، وأن التحالف الطلابي العمالي التابع لحزب العمل التقدمي قام باحتلال جامعة هارفارد في ربيع عام 1969م. وأن هناك قاعدة مشتركة لجميع اتجاهات هذه الثورة الأمريكية وإمداداتها الأوروبية، وهي: رفض المجتمع الخاضع للفائدة، والمسيطر عليه من الاقتصاد وحده، وتديره روح المنافسة والعداء المتبادل بين أفراده، ثم يصف شعور الهبيين”، بأنهم يتميزون بفقدان الذات، لأن مجتمع التنافس وروح النزاع يسببان لهم ألما، ويقول بأن الشاعر الفرنسي “بودلير” اقترح إضافة حقين آخرين إلى قائمة حقوق الإنسان: حق الإنسان بمناقضة نفسه وحقه بالرحيل.

ويرى ريفيل بأن الهبيين استخدموا هذين الحقين على نطاق واسع. وأن هذا الاستخدام عندما ينتشر ويكف عن كونه هامشياً، يصبح أكثر ثورية مما يميل الناس إلى الاعتراف به، إذا ظلوا مستسلمين لهاجس عقائدي يقضي بتفسير كل شيء ضمن نطاق اللعبة السياسية التقليدية”. (ريفيل، 1972م، ص 140) وبالطبع، فإن كان هناك شيء مؤكد، فهو أن (ريفيل كان يقلل من شأن حركات الرفض هذه كما يسميها ويشيد بقدرة أمريكا بالذات على استيعاب أزماتها.

أما النقطة الأخرى التي أشار إليها فالرشتاين من ضمن أزمة الليبرالية، فهي: “تحدي المذهب العلمي (scientism) أو العلموية، أو ما يحلو لبعض الباحثين المهتمين بتاريخ العلوم تسميته بتكوين الإنسان التقني”. هذا الإنسان الذي رفضه هيربرت ماركوز، والدوس هيكسلي؛ أن هذا التحدي ليس بالجديد، وهو نتيجة طبيعية للبديل التقني، وكان هذا الأمر سواءً في الدول متقدمة المراكز أو الأطراف مثار خلاف: اتجاه يرى الوعد بجنة تقنية، حيث يكون العلم مجندا لخدمة الإنسان وحلالاً للمعضلات كافة، مصححاً للعلات كافة، والاتجاه الآخر يتوقع الكارثة يحملها المستقبل حينما يكون الإنسان عبداً مسيراً للآلهة. (فركس، 1969م، ص5).

على نفس الصعيد، يرى (ثورو Thorow، 2005م) بأن الرأسماليين الأثرياء كانوا دائماً، أكثر ذكاء مما تصور ماركس، ولينين، فقد أدركوا أن استمرار بقائهم مرهون بإزالة الأسباب والظروف التي من شأنها أن تفجر الثورات، فأزالوها أولا بأول من الأمثلة على ذلك: قام بسمارك، وهو أرستقراطي ألماني محافظ، عام 1880م بإنشاء دور عامة للمسنين وللرعاية الصحية، وقيام ونستون تشرشل عام 1911م بابتداع أول نظام عام واسع النطاق للتأمين ضد البطالة، أما فرنكلين روزفلت، فقد كان أول من ابتدع فكرة تأسيس نظام التأمين الاجتماعي الأمريكي الشهير، وهو النظام الذي أنقذ الرأسمالية في أمريكا. وما كان لأي من هذه الإجراءات التي ما زالت هي الميكانيزمات الرئيسة للرأسمالية، أن تتخذ لولا ما واجهته الرأسمالية من تهديدات لوجودها.

ويؤكد (ثورو، 2005) في دراسته “مستقبل الرأسمالية” (The Future Of Capitalism) بأن الاشتراكية ابتدعت أصلا بعد وقت من تطبيق النظام الرأسمالي، وذلك بهدف معالجة ما ظهر في القرن التاسع عشر من عيوب واضحة للممارسة الرأسمالية، مثل: اتساع الهوة بين الطبقات، ارتفاع معدلات البطالة وتزايد نسبة المفصولين من القوى العاملة (ثورو، 2005م، ص 15-16).

حتى العلوم الاجتماعية الغربية (Social Science) يدخلها فالرشتاين، ضمن بنية “النظام العالمي الجديد” ذلك أنه يرى (1997) بأن هذه العلوم كانت نتاج “المركزية الأوروبية” (Euro Centric) خلال تاريخها المؤسسي، لذلك كانت توجد كليات تدرس العلوم الاجتماعية خلال الأنظمة الجامعية في الغرب؛ بمعنى أن هذه العلوم كانت نتاجا للنظام العالمي الجديد.

ويرى فالرشتاين، 1997م كذلك بأن هذه المركزية الأوروبية هي جزء من (المركب الجيوثقافي) والعلوم الاجتماعية كمناهج (Disciplines) موجودة وبشكل واسع وحتى عام 1945م في خمس دول هي (بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية)، ورغم الانتشار العالمي الواسع للعلوم الاجتماعية، فإن أغلبيتها الكبرى لا زالت موجودة في أوروبا، ويحاجج بأن هذه العلوم، إنما ولدت أساسا لمعالجة المشاكل الأوروبية، وذلك في وقت كانت تسيطر فيه أوروبا على “النظام العالمي” لذلك كانت خيارا لأمر موضوعي، فمنهجيتها وتنظيرها، وإبستيمولوجيتها كلها، تعكس معضلتها التي ولدت معها (Wallerstein، 1997، p.1).

على نفس الصعيد، يرى (هنتنغتون، 2005م) بأن التحديث والتطور الاقتصادي، ونمو المدن والعولمة “قاد البشر إلى إعادة التفكير بهواياتهم وإعادة تعريفها بلغة مشتركة أكثر حميمية ودقة. فبدأت الهويات الثقافية القومية الثانوية والمحلية تتقدم على الهويات الوطنية الأكثر اتساعاً”. (هنتغتون، 2005م، ص 29).

ويركز فالرشتاين على دور العلوم الطبيعية في زعزعة المذهب العلموي “للنظام العالمي، إذ يركز على “الاحتمال والشك (هوبدن، وجونز، 2004م، ص 304).

غير أني أرى في ذلك العكس؛ إذ يمكن أن تكون هذه العملية لمصلحة إعطاء المزيد من القابلية للتوسع والدمج الثقافي، وبالتالي إطالة أمد بقاء النظام وهروبه إلى مأمن من الأزمة التي يتحدث عنها فالرشتاين.

وبالطبع يمكن القول إن فالرشتاين قد تسلل إليه التحليل الماركسي للرأسمالية-والليبرالية بأنها عديمة الذاكرة (التي لا تفكر للمستقبل)، ولا تخطط، إلا على المدى القصير، غير أن الشك والاحتمال في عالم اليوم من أسس علم المستقبليات، وهو ما ميز المناهج – ما بعد الوضعية – بمعنى القدرة على التنبؤ بسير الظواهر المختلفة. وبمعنى آخر الارتكاز أكثر على (المُسلمة الكلانيّة: Holism Paradigm) وهذا ما يميز النشاط العلمي والأكاديمي للنظام العالمي حالياً. ولقد أشرنا سابقاً، أن فالرشتاين نفسه أقام صرح نظريته على “المسلمة الكلانية”. لكن ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى أزمة النظام العالمي؟

بداية إن الاعتماد على “المُسلمة الكلانيّة” يترتب عليه:

أ- إن الكليات هي أكثر من مجموع أجزائها.

ب- إن العلمنة يجب أن تبقى في حدود “عدم اليقين”، وبالتالي إبقاء مجال البحث مفتوحاً دون الوصول لنقطة الحتمية”. (عبد الحي، 1994م، ص 15)

وبناء على ذلك؛ فإن ما اعتقده فالرشتاين بأنه سيكون من أسباب تقويض النظام، سيكون على أقل تقدير من دعائم استمرار النظام، وتوسيع آفاق مستقبله.

ولهذا يرى فيكتور فركس في دراسته (الإنسان التقني الأسطورة والواقع: (Technological Man: The Myth and The Realitity، 1969) بأن “أسطورة المستقبل الجديد جمعت بين عناصر الخيال وأهداف الحياة ومعانيها، وهي تختلف عن أسطورة القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وهذا أمر يتضح بجلاء، لما أصبح المستقبل بحوزة من مكانه واحترام وتمعن ودرس .. ثم يتنبأ ليقول: (ولا يستبعد أن يغدو موضوعاً يدرس كسائر المواضيع في المعاهد). وهذا ما كان بالفعل، إذ غدت الدراسات المستقبلية هذه الأيام من أهم حقول الدراسة، سواء في السياسة أو الاقتصاد وغيرها؛ لكن يجب أن نشير إلى أن (فركس) أكد بأنه لا يستبعد أن تتولد المعضلات من إخفاق التقنية في تعديها للمقاومة التي تبدر من المجتمع نفسه ضد التبدل؛ وذلك حينما يشعر الفرد العادي مثلاً أن التقنية غدت بكل بساطة سلاحاً آخر من جملة الأسلحة الكثيرة بيد الرأسمالي أو الاشتراكي على السواء، التي تسلب وتأخذ بها الأرباح والسلطة غلاباً؟ (فركس، 1969، ص ص 12-20).

ونعتقد بأنه هنا تتموضع وتتربص بالنظام العالمي إحدى أهم المخاطر والأزمات.

وحين يطرح فالرشتاين موضوع الأزمة والمستقبل، فهو يشير إلى أن الأزمة تعني “فترة يتفكك خلالها نظام تاريخي، لأن تناقضات النظام تكون قد وصلت إلى درجة لا تعود عندما أي من الآليات الخاصة بإعادة تشكيل النظام اعتيادياً، قادرة على العمل بفاعليتها السابقة”. (هوبدن، وجونز، 2004م، ص 305).

ويقول فالرشتاين بأن الأزمة قد تدوم بين خمسة وعشرين وخمسين عاماً. أما شكل النظام البديل للنظام العالمي “فإنه سيعتمد على نتائج الصراعات السياسية في المستقبل. وأن العمل الفردي والجماعي يمكن أن يؤثر في مسار الأحداث إلى أبعد بكثير مما لو كان النظام يعمل بفاعلية. لذلك، نرى فالرشتاين يتعرض إلى أحداث أو أزمات عام 1968م في أمريكا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن أن تكون الأطراف الفاعلة من غير الدول مثل الشبكات والجماعات الإرهابية، مثل داعش وبوكو حرام وغيرها في العالم مثلاً مؤثرة لدرجة تغيير مسار الأحداث في النظام العالمي – الرأسمالي؟

قبل عقد من الزمان وقبل ظهور إرهاب داعش، حين كان العالم منشغلا بالنسخة القديمة من الإرهاب متمثلا بتنظيم القاعدة؛ أشار الجنرال الأمريكي من أصول لبنانية / جون أبوزيد / قائد القوات الأمريكية في الخليج، خلال محاضرة في جامعة هارفرد (17/11/2006م) إلى أن العالم مهدد بحرب عالمية ثالثة ما لم يوقف التشدد الإسلامي الإرهاب؛ وقارب بين التشدد الإسلامي والإرهاب الحالي والفاشية التي انتشرت في أوروبا، وأدت إلى الحرب العالمية الثانية (تصريح على قناة الجزيرة الإخبارية، 18/11/2006).

ومن المثير للدهشة اليوم (ونحن في تشرين أول -2016م) أن نلاحظ أن الملك عبدالله الثاني / ملك الأردن يؤكد ويصر وفي أكثر من مرة في كلماته وخطاباته الرسمية، أن الحرب ضد إرهاب داعش هي حرب عالمية ثالثة؛ مثال ذلك مقابلاته على محطة (سي.أن.أن) الأمريكية وأخرى على (اليورو نيوز مع الصحفية إيزابيل كومار) “في خطاب “حالة الاتحاد”، قال الرئيس أوباما إنه لا يجب وصف المعركة ضد “داعش” بحرب عالمية ثالثة؛ لأن ذلك يساعد دعاية “داعش”. أنتم وصفتم الحرب ضد “داعش” تقريبا بأنها حرب عالمية ثالثة؛ هل ترى أن الحرب ضد “داعش” الآن حرب عالمية ثالثة؟

العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني: “لقد قلت إن الحرب على الخوارج هي حرب عالمية ثالثة بوسائل أخرى، وهو أمر مختلف إلى حد ما، ويمكن تفسيره بأنه ليس داعش فقط، بل كل تلك الجماعات من الفلبين وإندونيسيا وحتى مالي. كل هذه الجماعات متشابهة، سواء كانت داعش أو بوكو حرام أو الشباب أو النصرة، في أي مكان في العالم، كما قلت من آسيا وحتى القارة الإفريقية، هناك إما حرب شاملة أو حرب لمكافحة التمرد.http://arabic.cnn.com/middleeast/2016/01/15/me-140116-king-abdullah-ii-interview-part-one).)

… (ولو نظرنا إلى الموضوع بشكل أوسع، فحتى وقت قريب كان محور الحديث هو الحرب العالمية ضد الإرهاب. فأوروبا تعاني من تحدي تدفق المقاتلين الأجانب، وهي قضية طالما نبهنا إليها على مدى العامين الماضيين. وهذه الحرب الكونية، هي في رأيي حرب عالمية ثالثة، ولكن بوسائل مختلفة). http://arabic.euronews.com/2015/11/11/exclusive-king-abdullah-ii-on-syrian-refugees-in-jordan-and-the-islamic-state

ولا يغرب عن البال بأن فالرشتاين نفسه، كان يأمل في أن تتمخض الصراعات التي ستشهدها العقود الزمنية القادمة عن انبثاق شكل من أشكال الحكومة العالمية الاشتراكية، بدون حتمية ذلك لا بل بأنه لا يستبعد أن يأتي نظام آخر أقل استساغة من النظام العالمي الحالي المشرف على نهايته حسب وصفه. (هوبدن، وجونز، 2004م، ص305).

والسؤال الآخر الذي نطرحه: هل يمكن لمحاولة التصحيح والتجديد في النظام أن تفيد النظام؟ ألا يمكن أن تؤدي عمليات التجديد إلى خلخلة النظام العالمي الرأسمالي وانهياره؟

ألم تكن هذه الخلخلة السبب في انهيار الاتحاد السوفيتي، والكتلة الشرقية بالتداعي العنيف؟

لقد أثبتت الدلائل أن تجربة غورباتشوف السوفيتية للانفتاح وإعادة البناء خلخلت النظام القائم ثم ساهمت بتسريع انهيار الاتحاد السوفيتي والنظام الاشتراكي القائم، بدلاً من تصحيحه. وتجدر الإشارة إلى أن التجديد الذي حاول غورباتشوف إدخاله على الماركسية –اللينينية، من خلال طرحه “للبيروسترويكا”، والغلاسنوست” عام 1985م كان يهدف إلى إضفاء الطابع الإنساني على الاشتراكية تحت شعار واسع وفضفاض هو أن الاشتراكية، الإنسانوية يسيران معاَ (Socialism and Humanism Go together).

ويرى (Fedoseyev، 1989) بأنه ومنذ اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في آذار /1985م وفي خطاب غورباتشوف في الذكرى السبعين لانتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية، أصبح هدف “البروسترويكا” الرئيس هو “بناء مجتمع يكون تركيزه الرئيس على الإنسان وحاجاته الضرورية الملحة. وطرحه شعار “كل شيءٍ للإنسان، وكل شيءٍ لمصلحة وخير الإنسان: (Everything For Man، everything For the good of man).

ولقد كان هذا الشعار غير مدرك قبل ذلك لدى الشيوعيين، وكان التركيز على جانب واحد من المعادلة فقط، وهو “ماذا يصنع الفرد للمجتمع “وليس ماذا يفعل الطرفان لمصلحة بعضهما البعض (Fedoseyev، 1989، pp.46-47).

لقد تنبأ فالرشتاين بدقة عام 1979م بانهيار النظام السوفيتي (https://global.oup.com/academic/product/does-capitalism-have-a-future-).

لكنه عمل على إبقاء الباب مفتوحاً لكافة الاحتمالات لشكل النظام العالمي الذي سوف يحل محل النظام الحالي، ثم قام بذكاء وحرص بترك صياغة مبهمة عمن يضطلع بهذه المهمة خاصة ناحيه مفهوم “العمل الفردي“، وما هي حدود فعله وتأثيره في السياسية العالمية أو السياسية في ظل سيرورة العولمة (هوبدن، وجونز، 2004م، ص 306).

 

لقد أبقى فالرشتاين على هذه النهاية مفتوحة على كل الاحتمالات؛ التي يقوم أنها أصبحت ميزة العلم الحديث والدراسات الحديثة التي تعارض الاتجاهات الخطية للوصول إلى مرحلة التوازن وتجنح نحو التشتت والفوضى وعدم الوثوقية في كافة دراساته الحديثة، سواء كتبه المنفردة أم المشتركة مع باحثين آخرين ولعل أحدثها كتبه: هل هناك مستقبل للرأسمالية، 2013م؟ وكتابه المشترك: العالم ليس موحد، 2015. ( (wallerstein، 2015، p.P1-4

ونحن نسأل هنا وفي ظل مقاربة الملك عبد الله الثاني والجنرال أبي زيد، هل يمكن أن تلعب الأطراف الفاعلة من غير الدول مثل الجماعات والشبكات الإرهابية مثل هذا الدور!؟

وهل يستطيع الأفراد والعمل الفردي أن يصنع الأحداث؟

ألم يساهم طارق الطيب محمد البوعزيزي عام 2011م، عندما أحرق نفسه احتجاجا على السلطة، في الثورة في تونس ويطلق ثورات الربيع العربي؟

ألم تحوّل؛ أو تساهم الجماعات والمنظمات الإرهابية: مثل داعش وبوكو حرام وغيرها في العراق وسوريا وليبيا والصومال واليمن إلى “دولٍ فاشلة” وتنشر الفوضى في النظام العالمي؟

[أعتقد بأن حدود فعالية العمل الفردي بالمعنى الذي أشار اليه فالرشتاين بحاجة إلى دراسة خاصة وبحث أكثر لكن هذا ليس مكانها الآن وربما نعود إليها لاحقاً].

يقول (فالرشتاين) بأن النظام العالمي الحديث “والرأسمالي” ليسا منفصلين تاريخيا، أو هيكلياً بل هما وجهان لعملة واحدة، ولا معنى لأحدهما بدون الآخر، حيث تطورا معاً ولا يمكن لأحدهما البقاء دون الآخر أيضا (wallerstein، 1996، p.89).

وهنا يتفق المنظر الاقتصادي المصري سمير أمين، مع فالرشتاين في أهمية وجود “الدولة” مخالفين بذلك فرضية لينين التي تقوم على القول: “اضمحلال الدولة بناء على انتقال سريع للاشتراكية”، وذلك بناء على “الضرورة الموضوعية لاستمرار الدولة” بعيداً عن افتقارها فقط على مجرد مقتضيات مواجهة التحدي الخارجي، إذ إن “الدولة” هي أيضا وسيلة تبلور “قوة ثالثة”. مستقلة عن القوى الاجتماعية الأساسية الأخرى. ويرى بأن الدولة وسيلة للتوسع الرأسمالي غير المتكافئ. (أمين، 1987م، ص 71).

لكن (أمين) يختلف ويفترق عن (فالرشتاين) في أنه لا يستبعد إمكان تصور دولة ديمقراطية تقدمية، بل أكثر تقدماً من الدولة البرجوازية الديمقراطية نفسها” (أمين، 1987م، ص 43) ويربط ذلك “بظاهرة تزايد دور الدولة الناتج عن احتياجات التراكم الرأسمالي (أمين، 1987م، ص 72) وأن الدولة يمكن أن تلعب دوراً “مستقبلاً. وأن هناك احتمالا تاريخيا واردا، هو أن يتبلور نمط اجتماعي جديد حول هيمنة الدولة أطلق عليه اسم “الدولنة” (Statisme) بمعنى مركزية نظام الدولة في تنظيم جميع أوجه الحياة الاجتماعية، وهو اتجاه يعبر عن تبلور قوى اجتماعية جديدة مسيطرة أو تميل إلى السيطرة (أمين، 1987م، ص ص 68-74).

في النهاية؛ لا يمكن الحديث عن أزمة (النظام العالمي الحديث الرأسمالي) دون الإشارة إلى أزمة الولايات المتحدة الأمريكية أو – الإمبراطورية الأمريكية- زعيمة لهذا النظام، وذلك أن الحديث عن هذه الأزمة التي يعانيها أصبحت مجال الكثير من الدراسات والأبحاث، خاصة من داخل أمريكا، خاصة في العقد الماضي والفترة التي عقبت هجمات 11ايلول 2001م، وهي الفترة التي سيطر عليها المحافظون الجدد.

فعلى سبيل المثال؛ يرى (شوير، 2005م) “أن أعظم واجب يمكن أن يؤديه الأمريكيون اليوم لأمتهم وازدهارها هو التخلي عن “الإرث القذر” الذي خلفته أيديولوجية الرئيس الأمريكي (وودرو ويلسون) المتعلقة بالالتزام بالتعاون الدولي الذي أغرق القرن العشرين بالدماء والحروب أكثر من أية أيديولوجية أخرى- وأن نتذكر ونضيف نصيحة (جون كونيسي أدمز) بأنه يجب أن تكون الولايات المتحدة الأمة التي تدعو إلى حرية واستقلال الجميع لكنها المقاتلة والمدافعة عن حريتها هي فقط” (شوير، 2005م، ص 385).

ويحلل (بويل، 2005م) في دراسته) تدمير النظام العالمي) الإمبريالية الأمريكية من جانبها الثقافي – السياسي وكيف اختطف ما يسمى بالمحافظين الجدد القرار السياسي الأمريكي منطلقين من معاقل أكاديمية شهيرة، مثل جامعة شيكاغو التي كانت تطالب من طلاب السياسة فيها بحفظ كتاب ميكافلي (الأمير) عن ظهر قلب، وارتبطت بذلك مدرسة المنظر الاقتصادي وحائز جائزة نوبل للاقتصاد 1976م ملتون فريدمان الاقتصادية الليبرالية التي كانت أيديولوجيا ما يسمى “بالليبرالية المتوحشة”، ومدرسة ليو شتراوس السياسية أو ما يسمى “الليبرالية الشستراوسية”. وقد اعترف بوش الابن بأنه عين في إدارته عشرين من (عصابة شتراوس في شيكاغو). (بويل، 2005م، ص ص 255-258).

ويذكر (بويل) من أشهر هؤلاء (ولفوفتيز، اشكروفت، زلماي خليل زادة، أحمد الجلبي، الآن بلوم) ويضيف (بويل الذي تخرج من شيكاغو) بأن حروب بوش الابن العدوانية ضد أفغانستان والعراق، عناصر مكونة لخطة طويلة للسيطرة والهيمنة على إمدادات النفط والغاز لأوروبا، واليابان، وآسيا، ومن ثم على مستقبل الاقتصاد العالمي، وهو مشروع كان منُظر المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية (هانز مورجنثاو، 1980 م) قد أطلق عليه ذات مرة اسم الإمبريالية غير المحددة في دراسته الكلاسيكية (السياسة فيما بين الأمم، 1948م) (بويل، 2005م، ص 292).

ويقول مورجنثاو أن: مفهوم الهيمنة والسيطرة على العالم، والذي يعكس في باطنه شعوراً دفيناً بالتميز والتفوق الحضاري والثقافي كان المحرك الرئيس للسياسة الخارجية الأمريكية، وهو المفتاح الرئيس لفهم هذه السياسة منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية كدولة فيدرالية وحتى الآن.

ونلاحظ هنا كيف يتوافق فالرشتاين (اليساري) مع (مورجنثاو) منظر المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية في مسألة نقد الهيمنة. مع ضرورة الإشارة إلى أنه ورغم أن مورجنثاو ظل حتى وفاته 1980م المنظر السياسي الأكاديمي الأهم للسياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه كان قد تم استبعاده عام 1965م من وزرارة الخارجية الأمريكية، حيث كان يعمل كمستشار سياسي من قبل إدارة الرئيس ليندون جونسون نتيجة لانتقاده الحاد للتدخل الأمريكي في حرب فيتنام.

وهذا (باتريك بيوكانان، 2006م) يرى بأن أمريكا “إمبراطورية فارغة محطمة، بجيش محطم، وشبّه وضعها بوضع بريطانيا عام 1945م، إمبراطورية بالغت بالتمدد وعملتها الوطنية تغرق، وأعدائها يتربصون ينظرون الانقضاض عليها وسياستها الخارجية مفلسة، ولا يستطيع تلبية جميع الالتزامات لديها، إذا استحق عدد منها على الفور في آنٍ معاً، ثم يقول: (بدل أن تنزف الأمة الأمريكية وتفلس إلى ما لا نهاية، علينا أن نتخلى عن الإمبراطورية، على الأمريكيين أن يتعلموا كيف يهتمون بشؤونهم فقط والتوقف عن التدخل في نزاعات الدول الأخرى (بيوكانان، 2006م، ص 42).

وهنا نسأل: هل كانت إدارة باراك أوباما 2016م تطبق هذه النصيحة، عندما انسحبت من العراق وأفغانستان، وترددت بالتدخل العسكري المباشر في سوريا، وهل ستتغير أمريكا إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في يوم الثلاثاء 8 تشرين ثاني – نوفمبر 2016؟.

 

المراجع باللغة العربية:

1-   أمين، سمير، إشكالية الاشتراكية وما بعد الرأسمالية القسم الأول ماهية الاشتراكية وطبيعة أزمتها الراهنة والقسم الثاني طبيعة نظم الاشتراكية المحققة وما بعد الرأسمالية في مجلة المستقبل العربي العدد 96، شباط عام 1987م.

2-   بيوكانان، باتريك، مقالة مترجمة عن “انتي وود كوم” بعنوان: جيش محطم.. إمبراطورية محطمة، في صحيفة الدستور الأردنية، العدد/ 14165، 42/12/2006م.

3-   هنتنغتون، صموئيل، من نحن؟: التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية، ترجمة حسام الدين خضور، الطبعة الأولى، الناشر دار الراي للنشر، دمشق، 2005م.

4-      فركس، فكتور، الإنسان التقني، تعريب: أميل خليل بيدس، دار الأفاق الجديدة، الطبعة الاولى، بيروت، 1969م.

5-   بويل، فرانسيس، تدمير النظام العالمي: الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط قبل وبعد 11 سبتمبر، ترجمة: سمير كريم، مراجعة محمد نور فرحات، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، العدد748، بإشراف: جابر عصفور، الطبعة الاولى، القاهرة، 2005م.

6-      ثورو، ليستر، مستقبل الرأسمالية، ترجمة: السيد عطا، مراجعة: محمد عناني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولى، مصر، 2005م.

7-   راكتيسكي، بوريس، الاقتصاد قضية سياسية: ملامح الاستراتيجية اللينينية لتسيير شؤون الاقتصاد، ترجمة إسكندر ياسين، دار نشر مولودايا غفارديا 1976، الطبعة الأولى الترجمة العربية دار التقدم، موسكو، 1979م.

8-   ريفيل فرانسوا، جان، لا ماركس ولا المسيح، تعريب فؤاد مويساتي، تحت عنوان: رياح التغيير الجديدة، دار الأفاق الجديدة الطبعة الاولى، بيروت، 1970م. وكتاب ريفيل يحمل إشادة كبيرة بقدرة أمريكا على معالجة الأزمات وقدرتها على قيادة العالم، وهو يؤرخ ويحلل لحركات الرفض الطلابية والعمالية الراديكالية التي اجتاحت أمريكا وبعض دول أوروبا وشهدت ذروتها 1968م.

9-      شوير، مايكل، القومية الإمبريالية الأمريكية، المترجمة: سمية عبدربه، الدار العربية للعلوم، الطبعة الأولى، بيروت – لبنان، 2005م.

10-  عبدالحي، وليد، تحول المسلمات في نظرية العلاقات الدولية، مؤسسة الشروق للإعلام والنشر، الطبعة الأولى، الجزائر، 1994م.

المراجع باللغة الإنجليزية:

1-      Edmund, Phelps, Evidence- Based Economics, on: www.project-syndicate.org/commentary/phelps8، 12/10/2006

2-      Fedoseyev, Pyoter, socialism and Humanism Go together, socialism: Theory and Practice (stp) , Soviet Monthly digest, Novosti Agency in English, Moscow, (3) , March, 1989.

3-      Stiglitz, Joseph, I Dissent: Unconventional Economic Wisdom, on: http://www.prject-syndicate.org/series/11/long-description 12/10/2006.

4-      Wallerstein, Immanuel coordinator, (2015) , The World Is Out of Join World-Historical Interpretations of Continuing Polarization, Paradigm Publishers Boulder , London.Pp1-4

5-      Wallerstein, Immanuel, new revolts against the system, new LEFT REVIEW, 18, Nov-December, 2002, on: WWW.new left review.org/a2420, 11/4/2006.

6-      Wallerstein, Immanuel, The inter-state structure of the modern world –system، on: smith, Steve& booth, ken& Zalewski, Marysia (Eds) , International theory: Positivism and beyond, Cambridge University press, first published, 1996.

7-      Wallerstein, Immanuel, Euro centrism and its avatars: the dilemmas of Social Science, New left Review, 1/226, November- December1997, on: http://newleftreview.org/?page=article& view =1934، 11/4/2006


[1] دورات كوندراتيف نسبة إلى عالم الاقتصاد الزراعي الروسي نيكولاي كوندراتيف في كتابه “الدورات الاقتصادية الكبرى 1925م”. ولقد سميت – دورات كوندراتيف من قبل الاقتصادي جوزيف شومبيتر عام 1939م تكريما ً لذكرى كوندراتيف الذي أعدمه ستالين رميا بالرصاص عام 1938م وكان له من العمر 46عاما لاتهامه بالعمالة للغرب ومعادة الثورة -. وحسب التطبيقات الحديثة لهذه الدورات فأن النظام الرأسمالي العالمي يمر الآن بمرحلة الركود التي من المتوقع أن تنتهي بين الأعوام (2017-2020م). وأن العالم اليوم في الدورة من 2015-2035م يمر بدورة – أو موجة – ما بعد ثورة المعلومات والتكنولوجيا. وتجدر الإشارة إلى أن كوندراتيف كان قد أكد في دراسات له أن النظام الرأسمالي لن ينهار عقب الكساد الكبير في 1929م ويقول بعض الاقتصاديين أنه – ربما- لذلك أُعدم من قبل ستالين. يمكن العودة إلى هذا الرابط للمزيد من المعلومات:

http://www.financialsense.com/contributors/christopher-quigley/kondratieff-waves-and-the-greater-depression-of-2013-202


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply