إعداد المستشار السياسي / حسين خلف موسى/ القاهرة
خاص بمركز شُرُفات عمان – الأردن
أولا :مقدمة عن الأزمة :
ذهب البعض إلى تسمية ما يحدث في سوريا منذ أعوام وحتى الآن” بالانتفاضة السورية” كما أن أطلق عليها البعض ” الثورة الشعبية السورية” وآخرون من كتاب ومحللين ومفكرين أطلقوا عليها ” امتداد الربيع العربي” في الواقع ما يحدث في سوريا الآن ليس بمعزل عن ما حدث بالعديد من الدول العربية من ثورات مناهضة للأنظمة الحاكمة ورافضة لسياسات التسلط والاحتكار.فمثل هذه السياسات من شأنها أن تنتهك حقوق الإنسان وتتعدى على الحريات سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.
هذا التظاهر الشعبي الذي بدأ سلميا وانتهى بصدام مسلح ضد النظام السوري الحاكم في الواقع انه يهدف إلى إسقاط النظام برمته وليس فقط لنيل بعض الحقوق السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو حتى للمشاركة في السلطة التي يستأثر بها ” الحزب البعثى الحاكم” الذي ينخرط من القائمة العلوية في الأساس بزعامة “بشار الأسد” خلفا عن والده “حافظ الأسد” الرئيس السابق للجمهورية السورية. كما تسعى لذلك الهدف الجبهة المعارضة بقيادة الجماعة السنية.
من الواضح أن السلطة السورية لا تريد أن تلعب اللعبة السياسية اى تأخذ وتعطى وتتفاوض وإنما تنتهج بمنهج الصرامة وعدم الاكتراث وتكتفي بوعود عن إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية بعيدة حتى الآن كل البعد عن ارض الواقع.
جدير بالذكر أن المعارضة السورية بدأت تفقد تعاطف الكثير بسبب ما يحيط بها من غموض وأهداف سياسية متمثلة فقط في إسقاط النظام أو بإجراء إصلاحات سياسية فورية على ارض الواقع فى ظل غياب الحزب البعثى الحاكم ، في الوقت الذي مازالت فيه السلطة السورية تمارس انتهاكات لحقوق الإنسان بشكل ممنهج من خلال آلة القتل وحملات الاعتقال والتعذيب ورغم كل المبادرات الدبلوماسية العربية والدولية التي باءت بالفشل مثلها في ذلك مثل العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية التي فرضت على السلطة الحاكمة في سوريا من قبل الجامعة العربية والدول الغربية والاتحاد الاوربى.
لكن ما هو في حاجة إلى تفسير الآن طبقا لنظريات العلاقات الدولية هو سبب أحجام الدول العظمى والقوى السياسية الكبرى حتى الآن عن التدخل الدولى الانسانى لوقف الانتهاكات المتزايدة في سوريا ووقف آلة القتل والتعذيب ، رغم أن هذه الدول قد تدخلت في ظروف متشابهة في دول أخرى تعرض مواطنيها محل التدخل لانتهاكات إنسانية ، لكن اكتفت هذه الدول والمنظمات بإرسال بعثات مراقبة ولجان تقصى حقائق سواء على المستوى الاقليمى (جامعة الدول العربية) أو على المستوى الدولى (منظمة الأمم المتحدة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيا :الفاعلين
أولا: تعريف الفاعلين الدوليين
إن الأفعال وردود الأفعال الدولية والمتمثلة في السياسات والمواقف والاستراتيجيات الخارجية وما يرتبط بها من قرارات وآليات تنفيذية، وإنما يقوم بها ويتحمل المسئولية الكاملة عنها، من يمكن أن نسميهم بالفاعلين الدوليين ” ….. لاشك في أن الفاعلين الدوليين على اختلاف دوافعهم وتوجهاتهم يشكلون العمود الفقري للنظام السياسي الدولى، كما أن لهم بالغ التأثير في حسم مجريات العلاقات الدولية برمتها.
لقد تعددت على خريطة السياسة الدولية أنواع الفاعلين الدوليين المؤثرين ومنهم:
- الدول القومية بكل ما تضمه من أجهزة ومؤسسات.
- المنظمات الحكومية الدولية من عالميه وإقليميه.
- الفاعلون فوق القوميين ( كالاتحاد الاوربى ).
- المحالفات الدولية ( سواء اتخذت طابعا سياسيا أم عسكريا أو كليهما معا (
(5) المنظمات الغير حكومية أو العابرة للقوميات وغيرها من المؤسسات والهيئات والجمعيات الدولية الإنسانية والتطوعية ، كمنظمة الصليب الأحمر الدولى، ومنظمة العفو الدولية، الخ.
(6) الجماعات والمنظمات دون مستوى الدولة ولكن برغم ذلك يكون لأفعالها وتحركاتها ردود فعل دولية ملموسة ومنها : جماعات الثائرين والمتمردين على حكوماتهم.
، والحركات العرقية ذات التوجهات الانفصالية والمنظمات الإرهابية وجماعات المصالح التي تضغط على حكومات دولها في اتجاهات خارجية معينه، أو جماعه أنصار البيئة أو المنظمات التي تدافع عن حقوق المرأة والطفولة.
(7) بعض الأفراد وان كانوا قلة استثنائية ونادرة للغاية ممن لهم مكانه سياسية وأدبية
|
|||||
|
|||||
|
|||||
** سنتناول بإيجاز دور كل فاعل من الفاعلين الأساسين للازمة السورية:
- على مستوى الدول القومية :
- النظام السوري الحاكم بكل ما يتضمنه من أجهزة ومؤسسات
- المعارضة والجيش الحر
تصنف المعارضة والجيش الحر في مجمل الفاعلين الدوليين على أنها فاعلين ممن هم دون مستوى الدولة كالحركات الاثنيه أو العرقية الثائرة أو المتمردة في الداخل تثير اهتماما دوليا واسعا بشأن ما تتبناه لنفسها من مطالب قد تصل إلى حد الإصرار عن الانفصال عن الاغلبيه في كيانات مستقلة ، وعندما يتحول هذا الاهتمام الدولى في مرحلة معينه إلى إجراءات وتدابير وقرارات وعقوبات دولية توقع على الدول فهل لنا أن نعتبر هذا التدخل الدولى عندما يقع على انه مبدأ عالميه حقوق الإنسان باعتبار أن هذه القضية أصبحت شأن اخلاقى وانسانى يهم المجتمع الدولى بآسره.
- الفاعلون الحكوميون على المستوى الدولى : المنظمات الدولية
الحكومية العالمية والاقليميه:
المنظمات الدولية العالمية والاقليميه الحكومية الفاعل الرئيسي الآخر في العلاقات الدولية المعاصرة وقد اتسعت إبعاد الدور الذي تقوم به هذه المنظمات وتشعبت مسئولياته حتى أصبح بلا جدال ركيزة أساسيه مهمة مؤثرة إلى ابعد حد من ركائز هذه العلاقات ، وهو دور وكما برهنت تجربة العالم معه ، لا بديل له ولا غنى عنه.
أ – منظمة الأمم المتحدة :
- أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 248 الصادر في 28 فبراير 2012 قرارا يدين الانتهاكات التي يقوم بها النظام السوري ضد مواطنيه مع تأكيدها على عدم التدخل العسكري مع إرسال مبعوث خاص بخطة توافقيه للمصالحة بين النظام والمعارضة
برعاية جامعة الدول العربية
2- اعترضت كلا من روسيا والصين ضد إصدار اى قرار من مجلس الأمن يدين النظام الحاكم أو يجعله يخضع لمواد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بموجب حق الفيتو .
ب- جامعة الدول العربية :
- حاولت جامعة الدول العربية تدويل الأزمة بعد فشل بعثة مفتشيها ولجنة تقصى الحقائق التابعة لها في التوصل إلى مع النظام السوري لذا أرسلت بمذكرة للجمعية العامة للأمم المتحدة تطلب التدخل الدولى لحماية المواطنين ضد الانتهاكات التي تمارس ضدهم.
- أصدرت جامعة الدول العربية قرارها بموافقة جميع الدول الأعضاء بتاريخ 22 يناير 2012 الذي طالب النظام السوري بالافرج الفوري عن المعتقلين ووقف جميع أعمال العنف التي تمارس ضد المواطنين العزل .
4
– دول قومية بكل ما تضمه من مؤسسات وأجهزة
أ– تركيا :
يبدو أن الموقف التركي تم تعديله منذ البداية ، فقد قامت السلطات التركية بتعديل سياستها الخارجية تجاه نظام الأسد بالرفض التام لما يدور من أحداث عنف وقمع على الاراضى السورية ، كما ورد في ذلك في رسالة حملها وزير الخارجية التركي (احمد داوود اوغلو)تحمل في طياتها ضرورة وقف العنف وسحب المدرعات والدبابات من المدن وإطلاق عملية الإصلاحات التي كانت تركيا تطالب بها ، يأتي أيضا الموقف التركي الرافض للوضع الراهن من منطلق القلق المتزايد على الحدود السورية – التركية وآلاف النازحين السوريين هربا من آلة القتل.
ب– إيران :
أن الدور الايرانى في الأزمة يظهر واضحا وجليا في دعمها المطلق للنظام السوري والحليف الاستراتيجي سواء عسكريا أو اقتصاديا في مواجهة الاحتجاجات الشعبية وأنها لا تستطيع أن تحذو حذو تركيا التي قامت بتعديل موقفها السياسي حيال الأزمة وانتقلت من التحفظ إلى دعم المحتجين السوريين وإيواء من نزح من الاراضى السورية ومن البديهي الموقف الغربي الذي يريد أضعاف إيران من خلال إضعاف نظام الأسد بما سيقوم به مجلس الأمن من قرارات صريحة للأحداث في سوريا في تلك التركات بالإضافة لما حدث في ليبيا تؤكد وجود الايدى الخارجية المتآمرة على النظام السوري وهذا ما احتجت عليه إيران وسوريا وبعض القوى العربية من أن تعديل مسار النظام السوري سيؤدى حتما إلى انهياره.
ج : حزب الله :
في الحقيقة موقف حزب الله اللبناني بزعامة ” حسن نصر الله ” لم يختلف كثيرا عن الموقف الايرانى فهو موقف داعم بكل المقاييس للنظام السوري ومناشدا للشعب السوري ضرورة تحكيم وتغليب العقل والإدراك التام لحجم الاستهداف الغربي للدولة السورية ويرى أن سقوط النظام السوري هو خدمه جليلة تقدمها المعارضة السورية على طبق من فضه لأمريكا وإسرائيل لخدمه مصالحهم وتنفيذ أهدافهم.
السعودية :
تتخذ السعودية موقفا معاديا للنظام السوري الحاكم منذ البداية وانتهاء بقرارها الدخول البرى فى سوريا
مستويات التحليل
لاشك أن مستويات التحليل الثلاثة سواء على مستوى صانعي السياسات الخارجية ، ومستوى الدولة القومية ، ومستوى النظام الدولى ككل لا يشكل بديلا يمكن الاستغناء به عن البديلين الآخرين.
بالتطبيق على الحالة السورية:
أولا: على مستوى الفرد (صانعي السياسة الخارجية)
نجد أن الرئيس السوري وما يحيط به من ضغوط وتوترات داخليه متمثله في قوى المعارضة وخارجية متمثله في المجتمع الدولى ، ومحاولاته عن طريق القمع والأداة العسكري وإخماد نار الثورة والإطاحة بالمعارضة حيث طبيعته العلوية وتحكمه في أنظمة ومؤسسات الدولة التي يترأسها الحزب العلوي الحاكم ضد الحزب البعثى المعارض ، كما نجد بعض القوى الخارجية التي تساند نظامه وتدعمه قد يصل لحد الدعم المفتوح كما طرحنا سالفا ، فجدير بالذكر أن سوريا تعد إحدى أعضاء المحور الراديكالي في المنطقة مع (إيران – سوريا – حزب الله اللبناني – حركة حماس) ،
كما أدت الضغوط من قبل المنظمات الدولية والإقليمية وعالميه المعنية بمجريات الأزمة إلى قبول بعثة مراقبين على مستوى الجامعة العربية منذ أشهر قليلة وبعثة مراقبة أممية منذ أياما معدودة طبقا لخطة المبعوث الاممى كوفي انان لحل الأزمة دبلوماسيا كما ان مواقفه وقراراته التي تأخذ في طابعها التحدي إلى تماسك نظامه حتى الآن وقدراته المتاحة القابلة للتعبئة والاستخدام.
في إطار الحقوق والواجبات الأساسية للدول طبقا للقانون الدولى ومنها:
- واجب الدولة في التعاون مع الأمم المتحدة في تنفيذ نظام الأمن الجماعي الذي نص عليه الميثاق ولهذا الواجب شقان احدهما سلبي ويتمثل في عدم الانحياز إلى جانب الدولة التي تعاقبها الأمم المتحدة وكذلك عدم الاعتراف باى كسب اقليمى تحصل عليه الدولة المعتدية أما الشق الايجابي فيتمثل في صورة أن تضع الدولة كل إمكاناتها تحت تصرف الأمم المتحدة لمعاقبة العدوان وذلك إعمالا للفصل السابع من الميثاق.
- واجب الدولة في معاملة جميع الأشخاص الخاضعين لسيادتها على أساس المساواة واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية دون تمييز.
ويرتبط هذا الواجب اشد الارتباط بالمحاولات المستمرة التي تبذلها الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية باعتبارها مشكلة دولية لا داخليه تلتزم الدول باحترامها وتسأل عن الإخلال بالتزامها حيالها من قبل المجتمع وسوف نأتي على ذكر هذا تفصيلا في موضع لاحق.
ثانيا: على مستوى الدولة :
أدى السلوك الخارجي لسوريا تجاه دول الغرب على وجه الخصوص ودعمها للآراء والتوجهات والإيديولوجيات الإيرانية عموما ودعمها للملف النووي الايرانى خصوصا تجاه أمريكا والاتحاد الاوربى تتسم بالكراهية ونبذ الإيديولوجيات فالتخلص من السلطة الحاكمة يعنى تحجيم نفوذ روسيا الاتحادية بشكل كبير في الوطن الغربي لاسيما بعد فقدانها الحليف الليبي
أن توجهات الرأي العام الداخلي المعارض لسياسات النظام والمطالب بالحفاظ على حقوق الإنسان ودعم الحريات الأساسية والراغب في إصلاحات اقتصادية واجتماعية من قبل الحزب البعثى وقوى المعارضة إلى خلق وتكريس المزيد من الاحتقان.
من أسباب هذه الأزمة أيضا تباين مجموعة القيم والإيديولوجيات التي يدين بها المجتمع السوري سواء على مستوى النظام أو القادة أو على مستوى الشعب والتي في واقع الأمر ينظر لها على أنها ضغوط وطنيه أكثر من كونها ظواهر دولية مستقلة بحد ذاتها
كما أن امتثال الدولة السورية للقرارات والمواقف السياسية الخارجية بهذه الصورة فإننا نقصد بذلك مؤكد استجابة واضعوا السياسات الذين يتربصون على قمة أجهزة السلطة ويمسكون بزمام الأمور وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الأسد فهم وحدهم حتى الآن من يحددون أهداف الدولة ويختارون من ينبه البدائل القرابة المتاحة والملائمة للمجريات الأمور الداخلية والخارجية وهم أيضا من يحددون ويقررون وسائل استخدام القدرات الوطنية اى المملوكة للدولة التي يجرى تخصيصها حاليا في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة – الجمعية العامة التي تحظى حتى الآن بالقبول ، رغم وجود ما يهدد خطة كوفي انان بالفشل حسب العديد من المحللين والمراقبين الدوليين.
ثالثا: على مستوى النظام العالمي:-
أدت التحليلات التي شهدها النظام الدولى بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وانفجار النزاعات الداخلية في العديد من الدول إلى بروز ظاهرة التدخل الانسانى لتوقف الانتهاكات التي تتعرض له حقوق الإنسان كجريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وهذا يعنى أن التدخل موجه ضد دولة متهمة بانتهاك حقوق الإنسان ضد مواطنيها بشكل يصدم الضمير الانسانى ويندرج التدخل الدولى الانسانى ضمن أدبيات حقوق الإنسان حيث يمثل إحدى آلياته على المستوى الدولى ويمكن تعريفه على انه للحد من الانتهاكات الإنسانية التي تركتها الدول محل التدخل ضد مواطنيها.
ومن أمثلة ذلك التدخل الدوى الانسانى:
تدخل الأمم المتحدة في أزمة شمال العراق والصومال 1991 والبوسنة والهرسك 1993 ورواندا 1994 أو خارج نطاق الأمم المتحدة كتدخل حلف شمال الاطلسى في كوسوفا 1999
ولا يزال الجدل الدائم سياسيا وقانونيا على مستوى الوحدات الفاعلة فيها (الدولة القومية) حول التدخل الدولى الانسانى ما بين مؤيد ومعارض له فالأول يرى في ظل العولمة لم يعد ممكنا التشبث بمفهوم السيادة الوطنية أما الثاني فقد عارضه البعض على أساس انه يتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية وينطوي على التدخل في الشئون الداخلية للدول ويمكن استقلاله من قبل الدول الكبرى والعظمى لتحقيق أهدافه
النظريات الرئيسية في العلاقات الدولية والأزمة السورية :
ربما استعرض النظريات الرئيسية في العلاقات الدولية ، يمكن أن يقوم تفسيرا أو تحليلا لسلوك الدول الكبرى والعظمى في إحجامها حتى الآن عن التدخل الدولى الانسانى في سوريه لوقف تلك الانتهاكات علما بأنها قد تدخلت في ظروف مشابهة في دول أخرى تعرض مواطني الدولة محل التدخل لانتهاكات إنسانية .
أولا: النظرية الواقعية
وهى الأكثر حضورا في الحالة السورية
تعد الواقعة من أكثر النظريات الفكرية تجليا في تفسيرها للعلاقات بين الدول فهي تنظر للعلاقات بين الدول من واقع الطبيعة البشرية التي تتصف بمنظورها بصفة الأنانية ومن هذا المنطلق تمثل العلاقات الدولية نموذجا للصراع من اجل القوة والنفوذ بين الدول التي لا يعنيها إلا حماية مصالحها الوطنية ففي ظل نظام دولي لا توجد به سلطة مركزية لحماية الدول من بعضها يجب على كل دولة أن تحافظ على بقائها اعتمادا على ذاتها
فالنزاعات والصراعات والحروب في ظل هذا النظام لا مفر منه فهو أمر حتمي فالسلم لا يعتمد على القانون الدولى والمنظمات الدولية وإنما على توازن القوى فالتدخل قد يصبح ضروريا للحفاظ على توازن القوى – كما هو الحال في : الاتحاد السوفيتي في مرحلة الحرب الباردة في أوربا الشرقية (بلجيكا – تشيكوسلوفاكيا) وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في أمريكا الوسطى فالواقعيون يبررون هذه التدخلات للحفاظ على النظام الدولى والحيلولة دون تصعيد وحدوث حرب.
هذا وترتكز النظرية الواقعية على مجموعة من الفرضيات التي تشكل منطلاقاتها الفكرية
- لا تقوم العلاقات الدولية على أسس ومعايير أخلاقية
- السياسة الخارجية للدول تغلب إلى حد كبير المصلحة الوطنية للدول في كل الظروف ومن ثم لا تلتزم بالمبادئ الأخلاقية والقانون الدولى. وهذا ما يتضح جليا في توجه النظام السوري على الحفاظ على تواجه في الحكم وتماسكه كنظام مقابل اى تضحيات تكون في المقابل بغض النظر عن الحقوق والواجبات تجاه شعبه
- إن المصلحة الوطنية لكل دولة تتطلب منها قدرات عسكرية هجومية لتدافع عن نفسها وتوسع من نطاق سيطرتها. وهذا يبدو بشكل قوى من خلال دفع النظام السوري بكامل إمكانياته العسكرية في سبيل الحفاظ على تماسك الدولة وتغليب المصلحة الوطنية العليا
- إن النظام الدولى نظام فوضوي بمعنى انه لا يوجد سلطة مركزية حاكمة لضبط سلوك الدولة. وقد بدا هذا في عدم قدرة النظام الدولى في اتخاذ قرار حاسم يقضى بالتدخل العسكري لحل الأزمة وحماية حقوق الإنسان المنتهكة .
- إن الدولة قد ترغب في الحفاظ على سيادتها واستقلالها عليها إن تبقى القوة كمحرك رئيسي لسلوكها. ونرى في ذلك الصدد الدولة السورية تقوم استنادا على القوة في حفظ تواجدها وتماسكها الداخلي وتحقيق السيادة على الأرض .
كما أن عناصر النظرية الواقعية المتفق عليها من قبل الواقعيون تنص على :
أولا: الدولة:هي أساس النظرية الواقعية كفاعل اساسى من ناحية ومن ناحية أخرى “سيادة الدولة” تشير الى وجود مجتمع سياسي مستقل يتمتع بسلطة قانونية فوق اراضيه.
ثانيا: البقاء : ويعد الهدف الأول للدولة وهذه هي المصلحة الوطنية العليا الذي يتعين على الزعماء والسياسيين أن يلتزموا بالحفاظ عليها . يهدف النظام السوري بكل تحركاته على المستوى الداخلي أو الخارجي إلى بقاء الدولة وهى مصلحة وطنية عليا ملتزم بها النظام وصانعي القرار السياسي .
ثالثا: العون الذاتي: لذا لا يمكن الاعتماد على اى دولة أخرى لضمان بقاء دولة ما. وهذا ما لا يبدو مطبق على الحالة السورية لاعتماد النظام السوري على بعض من أشكال الدعم الخارجي ( الايرانى – حزب الله – روسيا – الصين ) مما سيترتب عليه ضعف النظام بل انهياره في حالة تخلى هذه القوى الداعمة عنه .
لذلك ننظر إلى قضية حقوق الإنسان في سوريا من منظور الواقعية على أنها ليست إلا فكرة غربية والمؤسسات العسكرية الاقتصادية ساهمت بشكل كبير في تثبيت النظام الدولى في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
لذا التدخل في شئون الدولة يكون مبنى على مصلحة والإحجام يكون لعدم تواجد تلك المصلحة ومن ثم مبدأ عدم التدخل ليس له قيمة في علاقات بين الدول العظمى فالدول العظمى مثل أمريكا وفرنسا قد ترى مصلحة وأهداف سياسية من وراء التدخل وان كان لاعتبارات إنسانية.
وبناء على ما تقدم تعترض النظرية الواقعية على مبدأ التدخل الدولى الانسانى وذلك للااسباب الآتية:
- لا تقوم الدول بالتدخل الدولى الانسانى لاعتبارات إنسانية وإنما لمصالح قومية.
- لا يسمح للدول بالمخاطرة بأرواح جنودها لوقف انتهاكات الحقوق الإنسانية وتعزيز القيم الإنسانية حيث يرى الواقعيون أن الدول مسئولة فقط عن رعاياها.
- إساءة استخدام التدخل الدولى الانسانى في ظل غياب إلية نزيهة تقدر الظروف التي تسمح بالتدخل الدولى الانسانى
- انتقائية التدخل الدولى الانسانى: حيث يرى الواقعيون أن هناك تناقض في السياسة بمعنى أن الدلو العظمى لا تتدخل حينما لا تجد ما يتناقض مع مصالحها.
- الخلاف حول المبادئ المنشئة لحق التدخل الدولى الانسانى ، بسبب غياب التوافق الدولى لتحديد مفهوم التدخل الانسانى.
ومن ثم انتقدت الواقعية مبدأ التدخل فى سيادة الدول وحثت على معالجة القضايا ذات الطابع الانسانى بالطرق السليمة والتفاوض وجلسات التفاهم والحيلولة دون وقوع صراعات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرؤية الليبرالية للازمة السورية والتدخل من منطلق مبدأ حقوق الإنسان :
انتقدت الليبرالية مبدأ السيادة وعدم التدخل حيث رأت ان السيادة ليست خيرا مطلقا فأهميتها تكمن في حماية الشعب من الاستبداد ومن التدخل الخارجي في الشئون الداخلية.
على الرغم من اهتمام الليبرالية لحقوق الإنسان إلى أن أنصارها اختلفوا في رؤيتهم للتدخل الدولى الانسانى لكن هذا التدخل لم يمنع تبريرهم للتدخل في حالة تعرض هياكل دولة ما للانهيار كما حدث في الصومال عام 1991 أو تعرض مواطني ما لانتهاكات حقوق الإنسان من قبل نظام دولتها مثل (أكراد العراق عام 1991) والبوسنة والهرسك عام 1992 وكما يحدث لمواطني سوريا من انتهاكات لحقوق الإنسان فى الوقت الراهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرؤية الماركسية للازمة السورية
وانطلاقا من التحليلات الماركسية تطورت مقاربات دراسية للجماعة الدولية من خلال مفهومي الامبريالية والتبعية توضح هذه المقاربات وان الدول الغربية احتفظت لنفسها بحق التدخل المباشر بناء على دعوة من الحكام المحليين أو حتى بدون دعوة منهم إذا لزم الأمر من اجل الحفاظ على مصالح الدول المتدخلة وما شعارات الدفاع عن الديمقراطية أو حماية حقوق الإنسان إلا ذريعة ولتبرير التدخل وتستخدم هذه الشعارات حسب الظروف والأحوال.
ولضمان نجاح هذا التدخل استندت الدول الغربية إلى مؤسستين عسكريتين هما:
حلف شمال الأطلس ، وقوات التدخل السريع ومهمتهما تفادى تورط الدول الغربية في حروب جديدة ويكون هدف هذا التدخل هو قلب نظام حكم أصبح عاجزا عن صد مد شعبي أو نظام اضطرب نتيجة الضعف أو لاى أسباب أخرى تهدد الوضع الغربي كما هو الحال في الوضع السوري الحالي.