موت داعش وبقاء الخلافة

0


عمرالردّاد

خبير امني واستراتيجي – عمان

oaalraddad@gmail.com

خاص بمركز شُرُفات

 

أيام او أسابيع ,سيُعلن في العراق وسوريا هزيمة أو طرد داعش وتحرير مركزي الخلافة في  الموصل العراقية والرقة السورية, مع الإعلان عن مقتل الخليفة أبي بكر البغدادي, وعدد كبير من أمراء الدولة وولاتها وعناصرها, لكن دون ان يتمكن المتابعون في العالم كله, من رؤية صورة لجثة داعشي, او أسير او جريح, او لعربة معطوبة أو لبندقية  ,رغم ان الصورة هي جوهر الإعلام الحديث وبديل الكلمة, وهو ما سيعزز نظرية المؤامرة, التي تشكل احد اهم مرجعيات العقل العربي والإسلامي في المنطقة ,لانها تريح عناء التفكير, حيث الركون للأحكام الجاهزة والمعلبة, وتحميل الآخر المسؤولية, هذه النظرية ترى في جميع الأطراف المتصارعة ,دولية وإقليمية ووطنية شريكة بصناعة داعش ,وبالقضاء عليها .

 

وتنشغل مراكز دراسات وجهات عديدة معنية اليوم ,في تحديد  سيناريوهات ما بعد داعش ,بافتراض القضاء عليها او طردها من مناطقها, وتتراوح ما بين ذوبان  بعض العناصر في مجتمعاتهم , او خروجهم مع اللاجئين او عودة من يتمكن منهم الى اوطانهم ان تمكنوا من ذلك, او تشكيل تنظيمات مناطقية والتوسع فيما يعرف  بالذئاب او القطعان المنفردة , وصولا لاحتمالات قيام القاعدة باستقطاب واحتواء العناصر الناجية من داعش , باعتبارهم عائدين تائبين ,لان داعش عمليا هي التيار الاكثر تشددا من القاعدة والمنشق عنها , وايا كان السيناريو او السيناريوهات التي ستستقر عليها داعش, لكن صورة داعش التي تاسست منذ حزيران 2014 في العراق ثم في سوريا لاحقا”سيطرة على مساحات واسعة من الاراضي, وتشكيلات عسكرية ,ووزارات وولايات وولاة وامراء ومجالس شورى , وقائد للدولة هو الخليفة…وغيرها مما تحتاجه الدولة” لن تكون قائمة, خاصة وانها بدات تتلاشى منذ فترة ,بعد خسائر التنظيم 60 بالمئة من اراضيه واكثر من 80 بالمئة من مصادر دخله.

وبصرف النظر عن الشكل او الاشكال التي ستمارس من خلالها داعش نشاطها, في ساحات عملها, فكافة المؤشرات ترجّح احتمالات استمرار الارهاب, ربما بمسميات جديدة تعكس عناوين المرحلة ,خاصة الخلافة والشريعة الاسلامية, وسيكون هذا الاستمرار مرتبطا ارتباطا وثيقا باستمرار اسبابه العميقة, وربما يكون كل ما يُساق من اسباب في تفسير ظاهرة الارهاب صحيحة(اقتصادية ,اجتماعية ,سياسية وايدلوجية) تتفاوت في اوزانها النسبية  تبعا لكل ساحة ومرحلة, لكن قواسم مشتركة اسهمت في ظهور داعش ووفرت لها مناخات البقاء, فما هي تلك القواسم المشتركة:

 

أولا: الفوضى السياسية وانسداد أفق الأمل بالحلول, فقد جاءت نشاة داعش في العراق في ظل فوضى, وحرب أهلية طائفية ومذهبية, منذ عام 2003 حيث تحرير او سقوط بغداد, ثم تمددت في سوريا لتوفر بيئة مماثلة, حيث تم تحويل الثورة السورية الى حرب اهلية ومذهبية بصورة مطابقة لما يجري بالعراق, بعد استقدام المليشيات الشيعية, لمواجهة الارهاب السني العالمي, وربما كانت البنية التنظيمية لداعش العراق, وما تردد حول ان غالبية كوادرها من ضباط واجهزة الامن العراقية المنحلة ما يؤكد ذلك, بما في ذلك الكوادر المرشحة لتولي الخلافة في حال ثبوت موت البغدادي, وفي ليبيا واليمن حيث الفشل المتكرر في الوصول الى تسوية سياسية.

ان الاوضاع السياسية لمرحلة ما بعد داعش في العراق وسوريا وليبيا واليمن, تشير بلا مواربة الى استمرار وتفاقم الأزمات السياسية وضعف احتمالات ايجاد حلول, وتصاعد منسوب الصراعات على اسس مذهبية خاصة في العراق وسوريا, وبعض مناطق الخليج على خلفية ازمة قطر مع جيرانها, وكلها بيئات مناسبة توفر لداعش بصيغها الجديدة امكانيات بقائها .

 

ثانيا: ان مقاربة فقدان داعش للاراضي التي سيطرت عليها, والتي بلغت مساحتها في اوجها حوالي 100كم مربع في العراق وسوريا  , وهدم مسجد النوري الذي اعلنت منه الخلافة في الموصل , لرمزيته سواءا من قبل داعش او خصومها ,وتحرير الرقة من قبل قوات سوريا الديمقراطية , كل ذلك لا يلغي التنظيم ولا يؤثر في فكر الإرهاب العميق , غير المعني بالارض, الا بحدود توفير الدعم اللوجستي فقط, ومؤكد ان الذئاب المنفردة غير معنية بارض الخلافة الا في اطار الدعم المعنوي والتعبئة, وهو ما يرجح عودة الإرهاب لأصوله في العمل السري .

 

ثالثا: أسهمت التغطية والضخ الإعلامي الواسع لداعش في تعزيز اهم أهداف داعش الاستراتيجية , فمن جهة ابرز مصطلح الخلافة والدولة الإسلامية,  واستمرارها لمدة ثلاث سنوات انها حقيقة وقابلة للحياة, وربما تم أسقاطها كما تم اسقاط الخلافة في اوائل القرن الماضي , في ظل رؤية مقدسة للخلافة يشترك فيها غالبية المسلمين, وكافة أطياف الإسلام السياسي, وحتى الخطاب الديني الرسمي في العالمين العربي والإسلامي الرافض لداعش, وما يجري في كليات الشريعة بالجامعات وفتاوي دوائر الافتاء والبنوك وأسماء العلامات التجارية والإعلانات التجارية واللباس والأكل والشراب كلها تؤسس للاسلمة .ومن جهة ثانية عززت مقولة الاسلاموفوبيا في الغرب, والتي يرجح توسعها بإجراءات ضد الجاليات المسلمة في الغرب, بدأت مؤشراتها في الهجوم على المصلين بالمساجد في العواصم الأوروبية ,وهي ترجمة لجوهر الفكر الداعشي “امتي الكفر والايمان والفسطاطين”.

 

رابعا: امتلاك داعش والقاعدة برنامجا متكاملا يعالج كافة مناحي الحياة :سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, وحتى القضايا المطروحة عالميا اليوم فيما يتعلق بالفقر وحقوق الانسان وخاصة المراة والديمقراطية والحريات وحقوق الاقليات ….الخ وتقدم هذا المشروع باعتباره ناجزا, وتم تجريبه وثبوت نجاحه عبر التاريح, وبالمقابل لا يمتلك كل خصوم داعش برامج مشابهة , ويدور الصراع معها على اسس ايدولوجية, في مقاربات دينية لاثبات عدم صحة مقاربات داعش وأسانيدها, فيما يمكن وصفه بان الطرفين يغرفان ادلة محاججتهما من ذات الصندوق, وفي الوقت نفسه هناك قلة تطرح الدولة المدنية او الديمقراطية او الحداثية, التي لا تتعارض مع الدين,رغم ان كل تفاصيل الحياة واداواتها مدنية.

 

وفي الخلاصة ,من غير المرجح ان يتوقف الارهاب, واقرب سيناريوهاته القادمة بعد داعش , عودة القاعدة , وتنظيمات مناطقية وقطرية, وذئاب منفردة وقطعان ,وربما اشكال واساليب ارهابية جديدة, فقد تم قتل ابن لادن والكثير من قيادات القاعدة في افغانستان, ونشات داعش بصورة اكثر تشددا ووحشية ,وسيعلن عن قتل او اختفاء البغدادي , فهل سيستمر الخط البياني تصاعديا ويقف العالم غدا اكثر عجزا في مواجهة الإرهاب الجديد؟!


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply