الأزمة في الأردن : ربيع متأخر أم صيف طويل؟

0

الدكتور سعود الشرفات

مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب

عمان

5 آب 2018

شهد الأردن في أيار/مايو الماضي اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي بدأت بدعوة من مجلس النقابات المهنية في العاصمة عمان ضد مشروع قانون ضريبة الدخل، الذي أقرّته الحكومة المستقيلة مؤخراً وأحالته إلى مجلس النواب لإقراره.

وقد ظهرت بوادر الأزمة الاقتصادية في الأردن في عام 2016، بعد أن توقفت المعونات التي كانت تتلقاها الحكومة من دول الخليج على خلفية تراجع أسعار النفط، وبعد وصول أزمة اللاجئين السوريين إلى اعلى مستوياتها، واقتراب الدين الوطني من حجم الناتج المحلى الإجمالي. وللتخفيف من حدة الازم الاقتصادية، قامت الحكومة الأردنية بإقرار قانون ضريبي جديد يساهم في سد الفجوة المالية ويكون بمثابة مصدر أساسي للإيرادات.

وينص القانون على معاقبة المتهربين من دفع الضرائب بغرامات مالية، وعقوبات بالسجن تصل إلى 10 سنوات، وإلزام كل من يبلغ 18 عاما بالحصول على رقم ضريبي. وإخضاع من يصل دخله السنوي إلى 8 آلاف دينار بالنسبة للفرد للضريبة، بينما تُعفى العائلة من الضريبة إذا كان مجموع الدخل السنوي للزوج والزوجة أو المعيل 16 ألف دينار أو أقل. وعلى الرغم من أن معظم الأردنيين في الواقع معفون من الضرائب بموجب القانون الجديد، لأن دخلهم أقل من الحد الأدنى المطلوب في القانون، إلا أن الزيادة التي حدثت في ضريبة المبيعات والتي وصلت إلى 16%، قد أثرت على جميع فئات المجتمع نظرا لأنها أدت إلى رفع أسعار الغاز والكهرباء.

ومع استمرار الاحتجاجات، ارتفع سقف المطالب حيث طالب المتظاهرون بإسقاط الحكومة، وانعكس ذلك في الشعارات الجديدة والمبتكرة التي لم يعرفها الأردن حتى في ذروة “الربيع العربي” والحركات الشعبية في الأردن مثل: الشعب يريد إسقاط الحكومة ” لن نركع” و” ما خلقنا لنعيش بذلّ خلقنا لنعيش بحرية” و” “معناش” “معنا بدناش ندفع”. الشعب يريد إسقاط النواب، والموت ولا المذلة.

تسارعت الأحداث بشكلٍ كبير؛ فأصدر 78 من أصل 130 نائبا، بياناً أكدوا فيه عدم موافقتهم على هذا القانون بذريعة أنه لا يخدم مصالح الناس الاقتصادية والاجتماعية. وقد أدى استمرار الاحتجاجات في معظم المدن وأمام البرلمان لأربع ليال متتالية، إلى استقالة رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي، وكلًّف الملك عبد الله الثاني الدكتور عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة في مطلع شهر حزيران/ يونيو الجاري صرح الرزاز بأنه سيقوم بسحب مشروع قانون الضريبة بعد التشاور مع مجلس النواب ومجلس النقابات المهنية.

ويبقى السؤال المُلح الآن في الشارع الأردني؛ هل ستؤدي حكومة الرزاز الجديدة إلى تهدئة الاحتجاجات التي ما زالت مستمرة حتى بعد إسقاط حكومة الملقي؟ وما هو المطلوب من الأردن حتى يتجاوز هذه الأزمة ويؤسس لدولة واقتصاد أكثر استمرارية وبقاءً؟

الإصلاحات الاقتصادية مقابل الإصلاحات السياسية

ربما تؤدّي استقالة الملقى إلى تهدئة الوضع في الشارع على المدى القصير، لكنّها حتماً لن تقضي على المعضلة الاقتصادية الرئيسة التي تمر بها البلاد منذ زمن ثم، هناك حاجة لوضع استراتيجية اقتصادية وطنية فعالة تعمل على تخفيض العجز في الميزان التجاري الذي بلغ 2149.0 مليون ديناراً،  خلال الربع الأول من عام 2018 حسب دائرة الإحصاءات العامة في تقريرها الشهري حول التجارة الخارجية في الأردن. وبالطبع لا يمكن تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الطموح إلا من خلال زيادة حجم الاستثمار في القطاع الإنتاجي خصوصا الصناعي منه بما يحقق زيادة في الصادرات المحلية إلى الأسواق الخارجية، وهذا يتطلب ضرورة وضع سياسات استثمارية ومالية ملائمة تتوافق مع تلبية احتياجات الأردن الاستثمارية. كما يجب أيضا العمل على تخفيض عجز الموازنة العامة الذي يتوقع أن يبلغ –حسب دائرة الاحصاءات العامة – على ضوء النفقات المقدرة والإيرادات المقدرة للعام 2018، بعد المنح الخارجية نحو 543 مليون دينار أو ما نسبته 1.8 % من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 2.6 % من الناتج للعام 2017.  ، وهو ما يتطلب ترشيد حجم الانفاق العام  الذي يبلغ 9 مليار دينار اردني ، 4 مليار رواتب الموظفين في الدولة عام 2018م ،ومخصصات خدمة الدين والتي بلغت وأكثر من مليار دينار (1.4 مليار دولار) التي قاربت على مقدار الإنفاق الرأسمالي، أي أن الأردن اليوم يخصص للإنفاق على جميع المشاريع الرأسمالية البالغة (1,15)مليار ، كما ينفق تقريباً لخدمة الدين تقريباً. والتخلص من أي مظهر من مظاهر الإنفاق غير الضروري، بحيث يشمل هذا الترشيد جميع الوزارات والدوائر والمؤسسات والسلطات والهيئات التنظيمية. وهناك حاجة ملحة أيضا بأن تلتزم الحكومة بتخفيض المديونية الخارجية والداخلية، خاصة الديون قصية الأجل والبعد عن الاقتراض لأي سبب كان. ولضمان نجاح البرنامج الاقتصادي، يجب أن تعمل الحكومة على إصلاح الجهاز الإداري للدولة واستقطاب القيادات الإدارية والاقتصادية التي تمتاز بالكفاءة العالية، كما يجب تطبيق مبدأ المساءلة الدورية على جميع الوزارات والمؤسسات الاقتصادية المعنية بتنفيذ برنامج الإصلاح.

ما زال الاقتصاد الأردني بحاجة إلى مقاربة جديدة في كيفية إدارة موارده الاقتصادية المحدودة، وضبط مؤشر الفساد الذي يبلغ 48 نقطة ،والمرتبة 57 على العالم حسب منظمة الشفافية العالمية 2016م  والقضاء على الترهل الإداري، والتوقف عن التصرف وكأنه دولة إسكندنافية، أو نفطية سواءً على مستوى الدولة ومؤسساتها أو على مستوى الأفراد من خلال الأفراط في “الاستهلاك التظاهري”، وهذا أمر لا أحد يريد الاعتراف به. كما يجب على الأردن أن تركز أيضا على الانخراط بسيرورة العولمة للاستفادة من إمكانيات الاستثمار، والتبادل التكنولوجي، والذكاء الصناعي، وتوليد الطاقة المتجددة. خاصة وأن البنية التحتية لذلك متوفرة من حيث انخفاض مستوى الأمية وارتفاع نسبة التعليم.

سياسياً، في الوقت الذي حطم الاستبداد السياسي، والدكتاتورية، والشمولية   و”الربيع العربي” الكثير من الأنظمة العربية، أو حوّل بعضها إلى أنظمة هشة أو “دول فاشلة” استطاع الأردن النجاة والاستمرار، وإن بصعوبة. ومع ذلك، يحتاج الأردن إلى الشروع في إجراء بعض الإصلاحات السياسية الحقيقية التي تتضمن إصلاح القانون الانتخابي والخروج بقانون أكثر ديمقراطية يتواكب مع الدستور ويلغى نظام (الكوتا) الذي يميز بين فئات المجتمع المختلفة من البدو والنساء والشركس والشيشان والمسيحيين.

من غير الممكن تحقيق أي إصلاح سياسيي حقيقي في ظل وجود دستور يعطى السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة ويخل بالتوازن بين السلطات. وبالتالي يجب أن يكون هناك إصلاح دستوري يقوم على مبدا ءان الشعب هو مصدر السلطات فالدولة، ويسن قواعد لإجراء إصلاح سياسي شامل يوفر الضمانات لحماية الحقوق والحريات العامة، ويرسخ مبدأ الفصل بين السلطات، ويعزز العملية الديمقراطية على أساس التداول السلمي للسلطة.

وهناك أيضا ضرورة ملحه لحسم مسالة المواطنة، فقد أدى استمرار تغير الهوية الوطنية الأردنية ما بين هويات دينية وقومية وإقليمية وقطرية وقبلية متصارعة وغير مستقرة. وقد فشلت الدولة الأردنية في تحقيق الاندماج الاجتماعي، وخلق هوية وطنية جامعة للمواطنين. فعلى سبيل المثال، خلق قرار فك الارتباط الإداري والقانوني الصادر عام 1988، فئات متنوعة من الفلسطينيين المقيمين في الأردن، بتصنيفات “ملونة” وفق البطاقات التي بحوزتهم، مما حرم أكثر من مليون شاب فلسطيني، من المواطنة وأصبحوا يقيمون في الأردن بدون إطار قانوني أو حماية لهم. وبالطبع تنذر تلك الأزمة بحدوث توترات عميقة قد يصعب احتواؤها أحيانًا وقد تضر بمصلحة الدولة نفسها ووحدتها.

غير أن وضع بند “مواصلة مسيرة الإصلاح السياسي..” في أخر بنود كتاب التكليف الملكي لحكومة الرزاز يدل على أن مسألة الإصلاح السياسي مؤجلة لآن لمصلحة الاصلاح الاقتصادي وتخطي الأزمة الاقتصادية .

واعتقد بأن الأزمة الاقتصادية تتجلى في عدة مناحي؛ لعل من أهمها أنه رغم أنّ نسبة البطالة في الربع الأول من عام 2018 حسب مؤشرات دائرة الإحصاءات العامة بلغت 18.4% ، يعاني الأردن من تضخم ، وترهل القطاع العام الذي يبلغ  ما نسبته 33 % من الحجم الكلي للقوى العاملة الأردنية  حسب منظمة العمل الدولية 2017م ، وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة لعدد سكان الأردن وقدرة السوق الاستيعابية ومن اعلى 5 دول في العالم. وأهم سبب لذلك -حسب المحللين والخبراء الاقتصاديين الأردنيين-هو ترسخ الثقافة المجتمعية التي ترفع من شأن الوظيفة العامة كتعبير عن الأمان الوظيفي والمركز الاجتماعي حتى على حساب العائد المادي في كثير من الأحيان. وأن الدولة استخدمت الوظيفة العامة كأحد وسائل الريع، فتراكمت أعداد الموظفين بعيداً عن العدد اللازم لموظفي القطاع العام وكفاءاتهم وبالتالي تكلست “ثقافة البطالة المقنعة”. وبشكل ٍ عام فأن المواطن الأردني يعشق الوظيفة العامة خاصة في القوات المسلحة والأمن العام والأجهزة الأمنية ، والوزارات الخدمّية لما توفره من مركز اجتماعي وجاه وسلطان غير واقعي في كثير من الآحيان .

لكن في المقابل هناك إشكالية أخرى في الاقتصاد الأردني الا وهي ضعف القطاع الخاص الاردني ومحدودية قدرته على خلق الوظائف وضعف الأمان الوظيفي فيه . وهو ما يشكل أهم تحدي اقتصادي لحكومة الرزاز وأفكاره  حول نقد نظرية “الدولة الريعية” التي عبر عنها مبكراً في ورقته المنشورة 2012م “الطريق الصعب نحو عقد اجتماعي جديد: من دولة الريع إلى دولة الإنتاج”.

وتجدر الإشارة الى أن حكومة الملقي المستقيلة ، كانت قد أعلنت في 27مارس 2018م عن تعديل جديد لنظام الخدمة المدنية حيث قرر التعديل -الذي ينتظر الإجراءات الدستورية لإقراره-، أنه سيتم تسريح الموظف العام الذي يحصل على تقييم ضعيف لسنتين متتاليتين من الخدمة، على أن يكون التقييم لمجموع الموظفين بما يحقق مفهوم “منحنى التوزيع الطبيعي. وقد اثار هذا التعديل ردود فعل سلبية واسعة من مختلف شرائح المجتمع ، وكان أحد أسباب الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس الملقي .وبالتالي لا اعتقد بأن حكومة الرزاز ستقوم بتخفيض حجم القطاع العام بشكل دراماتيكي ، لكنها –ربما- تشدد أكثر على مسألة عدم التعيين في وظائف جديدة للعام المقبل 2019 م . وبالمناسبة فأن سياسة وقف التعينات التي يشرف عليها “ديوان الخدمة المدنية “موجودة أصلا منذ حكومة الدكتور عبد الله النسور .

 

أما في مجال الاستثمارات ، والاستثمار الداخلي والخارجي فأن الاقتصاد الاردني يعاني أصلاً  من ضيق السوق الاستيعابية وانخفاض القيمة المضافة للقطاع الصناعي ، ويتميز الاقتصاد الاردني بأنه غير مُنْتِج -حسب الادبيات الاقتصادية – لانه يعتمد فقط على قطاع الخدمات والتجارة والسياحة، وبعض الصناعات الاستخراجية كالأسمدة والأدوية والفوسفات والبوتاس؛ وهذا يجعل حجم الصادرات الأردنية قليلًا جدًّا مقارنة بحجم ما يُسْتَوْرَد من الخارج من سلع وخدمات.

ويتركز الاستثمار الصناعي حاليا ً في قطاع الصناعات الاستخراجية خاصة الفوسفات والبوتاس ومشتقاته. وهناك مشاريع واعدة في مجالات الزيت الصخري، وأملاح البحر الميت ، والاستثمار في الطاقة المتجددة وتوليد الطاقة الكهربائية بطاقة الرياح والألواح الشمسية التي باشرت بتشجيعها الدولة وأن كانت تعاني من “احتكار القلّة” (oligopoly  ) حتى الآن

وهناك تركيز على شركة البوتاس خاصة بعد الحديث عن ارتفاع الطلب العالمي على البوتاس، ونترات البوتاس خلال عام 2017-2018م.

لذلك بدأت شركة البوتاس الأردنية (لديها شريك استراتيجي كندي يملك 28% من الأسهم ) تنفيذ مشروع إعادة تأهيل وتطوير وتحديث وتوسعة الميناء الصناعي الحالي في العقبة وبتكلفة تقديرية 125 مليون دينار مناصفة بين شركة البوتاس وشركة مناجم الفوسفات، ومن المتوقع الانتهاء من تنفيذ المشروع في الربع الاول من عام 2018 لضمان فعالية عمليات تصدير مادة البوتاس والمواد الأخرى المشتقة حاليا ومستقبلا، وكذلك لاستيعاب الطاقة الإنتاجية والتصديرية لمستخدمي الميناء الصناعي في العقبة بشكل عام . وتعتبر الشركة ضمن أكبر الشركات الرافدة لخزينة المملكة بالعوائد والرسوم حيث بلغ مجموع مساهمات الشركة المباشرة لخزينة المملكة في السنوات الخمس الماضية حوالي 415 مليون دينار وهو ما يشكل 70 بالمئة من صافي أرباح الشركة. وتعد واحدة من أكبر الداعمين لاحتياطي العملات وأسهمت في رفد الاحتياطي في عام 2016 بحوالي 737 مليون دولار، بشكل مباشر وبالاشتراك مع الشركات التابعة والحليفة لها.

وتسعى الشركة الآن الى استخراج وتصنيع وتسويق المعادن من البحر الميت حتى عام 2058م.واستخراج وتصنيع املاح البوتاس، وتستثمر الشركة أيضا في العديد من الصناعات التحويلية والتكميلية المتعلقة بالأملاح ومعادن البحر الميت، بما في ذلك نترات البوتاسيوم والبرومين وغيرها من المشتقات. وتشمل مشاريع توسعة الإنتاج مشروع زيادة إنتاج البوتاس الحبيبي بمقدار 250 ألف طن سنويا والذي اكتمل في نهاية العام 2017، ومشروع زيادة إنتاج البوتاس الكلي بمقدار 180.000 طن سنويا وبكلفة تبلغ حوالي 130 مليون دينار، ومشاريع التوسع في الصناعات المشتقة، حيث أن شركة الأسمدة والكيماويات العربية (كيمابكو)، المملوكة بالكامل لشركة البوتاس العربية، على وشك الانتهاء من أعمال توسيع إنتاج نترات البوتاسيوم من 130،000 طن إلى 175،000 طن سنويا، كما وقعت (كيمابكو) مذكرة تفاهم مع شركة يارا العالمية لدراسة إمكانية مضاعفة إنتاجها. هذا بالإضافة إلى مشروع توسيع إنتاج المواد المتخصصة من قِــبَــل شركة برومين الأردن والذي من المتوقع إستكماله خلال العام الحالي.
وعلاوة على ذلك، فهنالك مشروع تطوير وتحديث وتوسيع الميناء الصناعي في العقبة والذي تقدر تكاليفه بحوالي 130 مليون دينار أردني بتمويل مشترك من شركة البوتاس العربية وشركة مناجم الفوسفات الأردنية. ومن المتوقع أن يكتمل المشروع في العام 2018.

أما من ناحية الاستثمار في التعليم والكفاءات و برامج التوظيف للشباب حاملي الشهادات؟

فأنه للأسف الشديد؛ ليس هناك خطة أو برنامج واضح المعالم لتوظيف الشباب حاملي الشهادات الجامعية يربط بين حاجة السوق المحلية أو العالمية ونوعية التعليم ومستوى التعليم. ثم أن سياسة الدولة في التعينات المختلفة من مسؤولية ” ديوان الخدمة المدينة” الذي يتحكم بمسالة التعين وحاجة السوق المحلية . ومعروف في الأردن الآن أن التعينات متوقفة –إلا ما ندر-وحسب موافقة من رئاسة الوزراء.

ويؤكد البنك الدولي إن مؤشرات سوق العمل في الأردن تنذر بالخطر. فقد ظل معدل نسبة مشاركة الأردنيين واحدا من أدنى المعدلات في العالم: نحو 40٪، ونسبة البطالة عالية نسبيا، ومستقرة عند نسبة 12-15٪ منذ عام 2000م لكنها صلت الى نسبة 18.4% في الربع الأول من عام 2018 حسب دائرة الإحصاءات الاردنية .

ويقول تقرير البنك الدولي أن الحكومة الأردنية تتصرف الآن انطلاقاً من اقتناعها بأن عدم التطابق بين الوظائف المتاحة ومهارات الأشخاص الذين يلتحقون بالقوة العاملة لا يؤدي سوى إلى تفاقم مشكلة البطالة المرتفعة والمزمنة التي تعاني منها البلاد.

ثم؛ علاوة على  الجهود التي تبذلها الحكومة لتوطين القوة العاملة، والتي ألقت بأعباء غير ضرورية على صناعات أساسية في القطاع الخاص، والتي تكبّلها الالتزامات الدولية التي قطعتها الحكومة بتوظيف اللاجئين السوريين، يسعى المسؤولون وقادة المجتمعات المحلية على السواء إلى تغيير المواقف من التدريب المهني، وتوفير الوسائل المناسبة لتأمين هذا التدريب.

وتشير البيانات والسيناريوهات إلى أنه على الرغم من الإتجاهات الديموغرافية نحو الإنخفاض، فإن الضغط على سوق العمل المحلية سيظل كبيرا خلال العقد القادم بسبب الحجم الكبير نسبيا للفئة العمرية الحالية 15-24 سنة، الناتجة عن نسب الخصوبة العالية في الماضي. وتوقعت دائرة الإحصاءات العامة أنه بحلول عام 2020 سيكون أكثر من ثلثي السكان ضمن سن العمل .

واعتباراً من العام 2017، تُخرِّج الجامعات في الاردن (61) ألف طالب جديد في السنة، غير أن مجموع صافي الوظائف الجديدة المستحدَثة سنوياً منذ العام 2011 يبلغ في المعدل48 ألف وظيفة فقط.

وتُظهر أرقام وزارة العمل عن استحداث الوظائف للعام 2015، أن 16 ألف وظيفة جديدة فقط ذهبت إلى أشخاص أكملوا تحصيلهم العلمي إلى ما بعد المرحلة الثانوية. ويؤكد  البنك الدولي أن 34 في المئة فقط من الخرّيجين الجامعيين الجدد يجدون وظائف في غضون ستة أشهر.

إنّ التباطؤ الاقتصادي بعد العام 2011 واحد من الأسباب التي تقف خلف هذه المشكلة.

وتتعمّق الهوة عند أخذ المشاركة في القوة العاملة في الاعتبار. حيث تشكّل النساء نحو 56 في المئة من خرّيجي الجامعات، لكن نسبة مشاركتهن في سوق العمل تبلغ 13 في المئة فقط.

وفي الوقت الذي  لا ينضم فيه عدداً كبيراً من الخريجات إلى القوة العاملة لأسباب عائلية، تغيب أخريات بسبب انعدام الوظائف.

حتى مشاركة الرجال الأردنيين في القوة العاملة تبقى متدنّية، مع 58 في المئة. وفقاً للبنك الدولي، يبلغ المعدل العالمي 76 في المئة . أحد الأسباب الرئيسة في تدنّي هذه النسبة هو “ثقافة العار أو العيب “.  ذلك أن فغالبية الوظائف المتوافرة في القطاع الخاص هي عبارة عن وظائف متدنّية المهارات، كما في قطاعات التصنيع والبيع بالتجزئة والزراعة، وفي الإجمال، هذه الوظائف مرغوبة بدرجة أقل على المستوى الاجتماعي، ويتم ربطها بالمكانة المتدنّية، وذلك نتيجة الاعتماد الطويل المدى على العمالة الوافدة من دون أن تكون البلاد ذات ثروة كبيرة.

من جهة ثانية؛ يواجه الأردنيون من حَمَلة شهادة الثانوية العامة أو ما دون، والذين يبحثون في الأغلب عن وظائف متدنّية المهارات ويشكّلون نحو ثلثَي السكان، منافسة من عدد كبير من العمال الوافدين الذين يُبدون استعداداً للعمل برواتب أدنى. يضم الأردن أكثر من 300000 عامل أجنبي مسجَّل فضلاً عن التقديرات التقليدية عن وجود 300000 إلى 500000 عامل أجنبي غير شرعي، ما يعني أن غير الأردنيين يشكّلون 27 إلى 33 في المئة من مجموع القوة العاملة في البلاد – وهي نسبة كبيرة في دولة نامية ذات معدّل بطالة مرتفع جدا (18,4%)في الربع الأوبل من عام 2018م .

 

بناءً عليه، يخضع القطاع الخاص، بصورة شبه كاملة، لسيطرة العمالة الوافدة، وهو عاجز في معظم الحالات عن استقطاب القوة العاملة الأردنية، كما أنه لا يستطيع في بعض الحالات توفير فرص كافية.  ولقد ذكرت وزارة العمل الاردنية عام 2015م أن ثلاثة من القطاعات الست التي استُحدِث فيها العدد الأكبر من الوظائف – الخدمة المدنية والأجهزة الأمنية، والتعليم، والخدمات الصحية والإنسانية – جزءاً من القطاع العام في شكل أساسي. أما الفئات الثلاث في القطاع الخاص التي استُحدِث فيها العدد الأكبر من الوظائف فكانت البيع بالتجزئة، والتصنيع، والفنادق والمطاعم، ففي العام 2016، تم توظيف 24472 عاملاً أجنبياً في قطاع البيع بالتجزئة، و83052 في قطاع التصنيع، و17686 في الفنادق والمطاعم.

كذلك فأنه من المهم الإشارة الى دور السلبي الذي لعبته أزمة اللجوء السوري على سوق العمل بشكل عام والتعهّد الذي قطعته الحكومة  بموجب “العقد مع الأردن” (Jordan Compact)، وهو عبارة عن اتفاق أُبرِم مع البلدان الأوروبية في شباط/فبراير 2016، بزيادة التوظيف القانوني للاجئين السوريين في مقابل المساعدات والصفقات التجارية التي تشكّل حاجة ماسّة بالنسبة إلى الاقتصاد الأردني.

وتتنافس اليد العاملة السورية بصورة مباشرة مع العمال الوافدين الآخرين، وليس مع الأردنيين، على الوظائف المتدنّية المهارات، بيد أن السوريين يشغلون أيضاً العديد من الوظائف التي تريد الحكومة أن يملأها الأردنيون. وهو ما يشكل أحد أهم أسباب الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومات الأردنية التي تعاملت حتى الآن مع أزمة اللاجئين السوريين.

 

لقد أخذ استعصاء الأزمة الاقتصادية في الاردن يطرح أسئلة خطيرة  حول مستقبل العلاقة بين الاردن وصندوق النقد الدولي ؛ خاصة وان هناك اصوات (وان كانت خافتة ) في الاردن تدعو الى الامتناع عن سداد  التزامات كما فعلت بعض الدول في البيرو واكوادور ، الأرجنتين في نهاية 2001-2005 حينما قرار الرئيس الأسبق نستور كيرشنر قطع العلاقات مع صندوق النقد الدولي.
لكن الواقع أن الأردن يعتبر نموذجاً ناجحاً بالنسبة لصندوق النقد الدولي . ذلك أنه منذ عام 1989 تأثر بالحرب مع إسرائيل والأوضاع الداخلية، فضلا عن ركود اقتصادى كبير، ووصلت نسبة البطالة إلى 35%، وكان يجد  صعوبة فى سداد القروض. ووافق حينها على سلسلة من الإصلاحات تنفذ على مدار خمسة أعوام وحصل على قرض  من الصندوق.

وبعد حرب الخليج الثانية 1991-1990 وعودة 230 ألف أردنى إثر غزو العراق للكويت، وجدت الحكومة نفسها فى موقف صعب مرة أخرى، وارتفع مرة أخرى معدل البطالة. ومنح الصندوق فى الفترة بين عامى 1993 إلى 1999 ثلاثة قروض تمويلية لعمان، لتتخذ الحكومة بعد ذلك إصلاحات ضخمة شملت الخصخصة والضرائب والاستثمارات الأجنبية وسياسات تجارية ميسرة.
وبحلول عام 2000، انضم الأردن إلى منظمة التجارة العالمية، ووقع بعدها بعام على اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة، وتمكن من تقليل الدين العام، وإعادة هيكلته.

والآن ؛ وعلى ضوء الموازنة العامة للعام 2018م والفرضيات التي بنيت عليها والمؤشرات الرئيسية للأداء الاقتصادي ، فقد تم التأكيد على مواصلة العمل على تنفيذ برنامج الإصلاح المالي والهيكلي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.

وبناء عليه فلا اتوقع  أية تغيرات درماتيكية أو ثورية (مثل رفض التعاون أو رفض دفع الديون والفوائد )في المقاربة الاردنية . ومن المتوقع أن يسهم الرئيس الرزاز من خلال خبرتة الاقتصادية في التخطيط الاقتصادي والتنمية وخبراته العملية مع البنك الدولي في استمرارية العلاقة بما يتوافق مع الوضاع الخاصة للاردن .

ومن المؤكد ان تساهم المساعدات الأخيرة التي قدمتها الدول الخليجية الاربع(السعودية ، الكويت ،الامارات ،البحرين)للاردن خلال قمة مكة الرباعية مع الملك عبدالله الثاني  (10يونيو2018) والوديعة التي تكفلت الدول الخليجية بوضعها لدى صندوق النقد الدولي. والمساعدات القطرية بنصف مليار دولار  و10الاف فرصة عمل ، والمساعدات الألمانية التي أعلنتها انغيلا مريكل خلال زيارتها للأردن ولقائها مع الملك عبدالله (20 يونيو 2018)حيث  أعلنت عن دعم ألمانيا الأردن بقرض ميسر بقيمة 100 مليون دولار أميركي ، في تحسين شروط التفاوض بين الطرفين وتمكين الأردن من الاقتراض مرة أخرى ، وليس حل ازمته الاقتصادية بشكلٍ نهائي .

بعد الاستعراض المفصل أعلاة ؛ يبقى السؤال المهم ؛هل هناك إصلاحات قابلة للتنفيذ  يمكن أن تقوم بها حكومة الرزاز؟

وهنا أقول ؛ لا نريد أن نكون حالمين ومثاليين ونتوقع من الرزاز اجتراح المعجزات ؛ فليس مطلوب منه مشاريع بحجم (نيو ديل )”الصفقة الجديدة” التي قام بها الرئيس الأمريكي فرنكلين روزفلت للخروج من أزمة الكساد الكبير خلال العوام 1933-1936م التي أنعشت الاقتصاد الأمريكي من خلال التركيز على ثلاث محاور هي : الإصلاح المالي ، وانعاش حركة الاقتصاد الوطني ، وإغاثة الفقراء والعاطلين عن العمل .

ولا تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية كما فعل رونالد ريغان  في سياسة” ريغانوميكس ” في الثمانينيات القائمة على ما يسمى في أدبيات الاقتصاد “جانب العرض” والتي بالمناسبة ركز فيها على تقليص الإنفاق الحكومي ، وتخفيض الضرائب  والتي جعلت من ريغان أفضل الرؤساء الأمريكان في التاريخ بالنسبة للأمريكان .

هذا على الرغم من أن البعض في الأوساط الشعبية ، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي طالب الرزاز  بأن  يتصرف مثل مهاتير محمد ، لا بل حتى محمد بن سلمان ؛ جهة العلاج بالصدمة والتطهير ومحاربة الفساد .

وهناك قطاع واسع  من المثقفين والنشطاء السياسين وصالونات عمان  في الاردن الآن يتوقع أن تؤدي مخرجات ما يسمى “صفقة القرن” الى تحريك الأوضاع السياسية والاقتصادية بشكلٍ إيجابي.

أعتقد بأنه ؛ من المستحيل أن يتمكن الرزاز من تغير الأوضاع بين ليلة وضحاها, لكني أعتقد بأنه سيكون رئيساً مميزاً ؛ إذا نجح بتنفيذ بنود كتاب التكليف الذي أصدره الملك عبد الله الثاني له بتاريخ5 يونيو 2018م والذي ركز على المحاور التالية:

 

  • إطلاق مشروع نهضة وطني شامل، قوامه تمكين الأردنيين من تحفيز طاقاتهم، ورسم أحلامهم والسعي لتحقيقها، وتلبية احتياجاتهم عبر خدمات نوعية، وجهاز حكومي رشيق وكفؤ، ومنظومة أمان اجتماعي تحمي الضعيف في ظل بيئة ضريبية عادلة.
  • إن التحدي الرئيس الذي يقف في وجه تحقيق أحلام وطموحات الشباب الأردني هو تباطؤ النمو الاقتصادي، وما نجم عنه من تراجع في فرص العمل والبطالة خاصة لدى الشباب.
  • على الحكومة أن تقوم بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل، ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني.
  • إن الضغوطات التي يواجهها الأردن، يجب أن تكون حافزاً للارتقاء بنوعية الخدمات وليس عذرا لتراجعها. إن فرض الضرائب وتوفير خدمات نوعية أمران متلازمان.
  • على الحكومة أن تضع الإصلاح الإداري والنهوض بأداء الجهاز الحكومي على رأس أولوياتها واعتباره مصلحة وطنية عليا.
  • لا مجال لأي تهاون مع موظف مقصر أو مسؤول يعيق الاستثمار بتعقيدات بيروقراطية أو تباطؤ يضيع فرص العمل على شبابنا والنمو لاقتصادنا. ولا تردد في محاسبة مسؤول لا يعمل لخدمة وراحة المراجعين.
  • على الحكومة الإسراع في إنجاز مشروع الحكومة الإلكترونية للارتقاء بنوعية الخدمات، والتخلص من البيروقراطية وضبط الإنفاق الحكومي بكل حزم.
  • إن الحكومة مطالبة أيضاً بمواصلة مسيرة الإصلاح السياسي والبناء على ما تم إنجازه في الأعوام السابقة؛ وهنا لا بد من إعادة النظر في التشريعات الناظمة للحياة السياسية بما يعزز من دور الأحزاب ويمكنها من الوصول إلى مجلس النواب.

لقد كانت  التشكيلة الوزارية هي المؤشر السلبي الأول على وزارة الرزاز.

وذلك لأنه أعاد بها 15 وزيراً سابقاً من حكومة  سلفه هاني الملقي وبعضهم الآخر تم تدويره في مواقع أخرى مهمه مثل الديوان الملكي كوزير الأشغال العامة سامي هلسة  ، والإبقاء على نفس عدد الوزراء 29 وزيرا ً وهو عدد كبير جدا؛ هذا على الرغم من أن كتاب التكليف في بنده الأول طالب الرزاز صراحة بــــ “جهاز حكومي رشيق وكفؤ”؟

هذا الأمر ؛  اثأر سخط و انتقاد  وسخرية قطاع واسع من المثقفين والمحللين في الصالونات السياسية والمنتديات ، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والهاشتاغ على توتير (خاصة  وأن الرزاز من النشطاء على توتير ، مثال ذلك الهاشتاغ الساخر : هاجر يا قتيبة . ويعود سبب الهاشتاغ إلى تغريدة سابقة للرزاز بعد تكليفه، طالب فيها شاب يدعى “قتيبة البشابشة”، بنزع فكرة الهجرة من الأردن، في إشارة إلى التغيرات الإيجابية) . وقال مغردون إن دعوة الرزاز لـ”قتيبة بشابشة” بعدم الهجرة، تتناقض مع شكل حكومته الجديدة. كذلك تفاعل ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير مع قصيدة للشاعر والإعلامي محمود ناجي الكيلاني، حملت عنوان “هاجر يا قتيبة”.

وقال الكيلاني في  أحد أبيات قصيدته: “قم وهاجر يــا قـتـَـيــبـــةْ .. لا تُـقِـمْ فـي أرض خـيبَةْ.. إنما الرزَّازُ.. (هـــانـي).. نسخةٌ.. معْ بعضِ هـيبَةْ”.

لكن على الجهة المقابلة هناك بعض الإجراءات السريعة  التي لقيت ردود فعل إيجابية واسعة وفسرت أنها توجه جدي من الرزاز لمحاربة الفساد خاصة بعد أن قامت حكومة الرزاز 20 يونيو 2018م من خلال مدعي عام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لبشار الصابر مدير عام ضريبة الدخل والمبيعات السابق ومنعه من السفر وتوجيه اليه تهمة جناية استثمار الوظيفة . والحجز على أموال شريكه السابق في مكتب الاستشارات الضريبية المنقولة وغير المنقولة ومنعه من السفر وكذلك اتخذت نفس الإجراءات بحق صاحب شركة حلواني عبد الكريم الحلواني كمتورطين في نفس القضية . قد أثارت ردود فعل إيجابية واسعة في الشارع الأردني .
وكان مجلس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد احال هذه القضية الى الادعاء العام قبل عدة أشهر لان الإجراءات التي اتخذت في دائرة ضريبة الدخل خفضت الضريبة المقدرة على هذه الشركة من ستة ملايين دينار الى مليون ونصف المليون دينار دون وجه حق .
كما قرر مدعي عام النزاهة ومكافحة الفساد توقيف مدير ضريبة جنوب عمان الأسبق محمد ذا النون عصفور وموظف اخر في دائرة ضريبة الدخل والمبيعات بجناية استثمار الوظيفة لمدة أسبوعين في مركز إصلاح وتأهيل الجويدة لقيامهما بشطب مبلغ مالي ستة وخمسين ألف دينار عن مكلف بطريقة غير صحيحة رغم ان هذا المبلغ كان صدر به قرار من المحكمة الضريبية واكتسب الدرجة القطعية بموجب قرار محكمة التمييز .

لقد جاء في موازنة2018م  أن الحجم الإجمالي للموازنة العامة يصل الى 9 مليارات و39 مليون دينار موزعة على 7.88 مليار دينار نفقات جارية ، أي ما نسبته 88% من الحجم الكلي للنفقات العامة بارتفاع نسبته 6 % عن العام السابق و1.1 مليار دينار نفقات رأسمالية. ومن المعروف في الأردن أن جل النفقات الجارية (4) مليار تذهب رواتب شهرية ومكافأت ومصاريف ، وخدمات تذهب للقطاع العام .

ولذلك أعتقد بأنه من المفيد قيام حكومة الرزاز بترشيد حقيقي للنفقات في جميع مؤسسات الدولة، وخاصة فيما يتعلق برواتب الفئات العليا المبالغ بها والامتيازات الخاصة للمسؤولين إلى جانب مصاريف السيارات والمكاتب.

وتستطيع حكومة الرزاز ضبط النفقات الجارية وأن تكون جدية في ذلك. لكن مع التشديد على عدم تقليص النفقات الرأسمالية التي توفر العمالة وتحفز النمو.

هذا بالإضافة الى  ضرورة ترشيد النفقات الجارية والتقشف، وتحديدا فيما يتعلق برواتب الفئات العليا للموظفين  الامتيازات المبالغ بها لبعض المسؤولين الحكوميين كالمركبات الفارهة والسائقين والمرافقين، والتي تعتبر أكثر مغالاة من دول متقدمة وغنية  والتي أصبحت الحكومة تضطر للاقتراض كي تغطي نفقات تلك الرواتب.

كما أن  ضرورة “ترشيق القطاع العام” بمعنى جعله أكثر رشاقاً ، وتحفيز القطاع الخاص ، وترشيد وضبط الإنفاق  بالأفعال وليس بالأقوال ؛ يعتبر جزءا صغيرا من خطة اقتصادية كبيرة يمكن أن تباشر بها حكومة الرزاز “.

في ورقته البحثية “الطريق الصعب نحو عقد اجتماعي جديد: من دولة الريع إلى دولة الانتاج”، والتي فازت بالجائزة العربية للعلوم الاجتماعية لعام ٢٠١٢ م حدّد الرزاز مجموعة من  الشروط للتخلص من حالة الدولة الريعية كالاردن وهي:

1-التحول الديمقراطي 2-حاكمية المال العام 3- السياسات الاقتصادية للتحول

4- دور الدولة  5- دور القطاع الخاص 6 – العدالة الاجتماعية7- تكتل اقليمي عربي على أسس ديمقراطية.

وهنا لابد من إعادة التأكيد على ملاحظتي السابقة ؛ الا وهي أن بند الإصلاح السياسي في كتاب التكليف حل  في النهاية البنود ، وهذا يعني ببساطة أن الأولوية في حكومة الرزاز ستكون للاقتصاد.

أعتقد أن الفرصة مواتية للرزاز كي يخرج من التنظير لأفكاره التي كان يدعي أنه يؤمن بها ؛ أعني بذلك أفكاره  حول متطلبات التحول من نموذج دولة “الريع” الذي يمثله الأردن  الى نموذج دولة “الإنتاج” و ضمن عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم.

وختاماً، يتطلب الأردن حزمة كبيرة من الإصلاحات الشاملة والمتوازنة التي تشمل الإصلاح السياسي والاقتصادي، والاجتماعي. ولتحقيق هذا الهدف، يجب أن يكون هناك توافق بين القوى السياسية والشعبية على القواسم المشتركة للإصلاح، وان يكون هناك حكومة ذات رؤية إصلاحية مقبولة اجتماعيا وتتسم بالنزاهة، وبرلمان يمثل الشعب تمثيلا حقيقيا. كما يجب أن يستهدف الإصلاح جميع مكونات الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية. كما يتوجب على المجتمع الدولي أن يلتزم بمسئوليته نحو الأردن والاستمرار في دعم الاقتصاد الأردني وتوفير الخبرات الفنية والمالية التي قد تساعد الأردن في الخروج من عنق الزجاجة وبناء اقتصاد وطني مستقر لا يعتمد على المعونات والمساعدات الخارجية.

ويبقى السؤال المُعلق : إذا نجح الأردن في الخروج من أزمة 2018م وإقناع الدائنين بقوة وضعه الاقتصادي ؛ ماذا سيحدث ، وكيف سيتصرف في العام المقبل 2019م وهل ستحمل “صفقة القرن” – أو الصفقة الكبرى -رغم غموضها حت الآن والإشاعات عن تأجيل إعلانها – طوق النجاة للأردن في مستقبل الأيام ؟


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply