تحديات مستقبلية لبرنامج إعادة التأهيل والإدماج للمتهمين بقضايا الارهاب – مشكلة عودة المقاتلين الأردنيين الارهابيين من سوريا والعراق

0

 

مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب .عمان-الأردن

الدكتور سعود الشَرفات

 

من المهم التأكيد بأنه (من خلال متابعتي واهتمامي الخاص بهذا الملف) ليس هناك حماس كبير في الأوساط الحكومية والشعبية لفكرة إعادة تأهيل ودمج الإرهابيين والمتطرفين دينياً؛ بحجة أن هؤلاء خارجون على الدين الإسلامي الحنيف ، ولا يمثلون الاسلام ،وأنهم “خوارج العصر” ([1]) وقاموا بعمليات ضد رجال الأمن والمواطنين الأردنيين المدنيين ، ولذلك يجب التخلص منهم ، وليس إعادة تأهيلهم ودمجهم ، ولسان حال الأوساط الحكومية والشعبية يقول “ليذهب هؤلاء الى الجحيم”.

اعتقد أن أهم التحديات التي تواجه الأمن  الأردني بشكل عام وبرامج مكافحة التطرف العنيف والارهاب ومن ضمنها برنامج إعادة التأهيل ،الخطر الذي ما يزال يشكله تنظيم داعش الذي يستهدف الأردن ، ثم احتمالية عودة المقاتلين الأردنيين من الخارج –أو بعضهم-وهو خطر عالمي لا يخص الأردن فقط بل كافة دول العالم وهذا ما عبر عنه مؤخرا فلاديمير فورونكوف وكيل الأمين العام لمـكتب مكافحة الإرهاب في التقرير السابع للأمين العام حول التهديد الذي يمثله تنظيم داعش ، وأنه ما يزال يمثل تحديا خطيرا للسلم والأمن الدوليين، لأسباب منها تحوله إلى شبكة تعمل في الخفاء، وأنشطة الجماعات الإقليمية التابعة له، والتهديد المعقد “للمقاتلين الإرهابيين الأجانب” العائدين والمتنقلين وأسرهم ، وقال إن تدفقهم إلى العراق وسوريا قد توقف.  ولكنه أشار إلى التدفق المعاكس، الذي يتم بشكل أبطأ من المتوقع إلا أنه يمثل تهديدا خطيرا، وإن أحد المخاطر الناجمة عن عودة “المقاتلين الإرهابيين الأجانب” تتمثل في الخبرة التي اكتسبوها في مناطق الصراعات، مثل مهارات تصنيع العبوات الناسفة وتسليح الطائرات بدون طيار([2]).

وتشير أخر التقديرات المتداولة في وسائل الإعلام الأردنية (ليس هناك إحصاء رسمي مؤكد )، الى أن الأردن يشكل الدولة الأولى أو الثانية في العالم من حيث عدد المقاتلين الأجانب بالنسبة لعدد السكان بمجموع يبلغ 3950-3000، قتل منهم بين 250- 1500 مقاتل .

وحتى الآن يمنع الأردن عودة  المقاتلين الارهابيين  الى الأردن ؛ لا بل هناك أوامر لحرس الحدود بإطلاق النار على كل من يحاول اختراق الحدود بين الأردن و سوريا والعراق . وما بين 100 الى 500 مقاتل  الذين سمح لهم بالعودة تمت محاكمتهم وسجنهم ،و بعضهم خضع لبرنامج إعادة التأهيل في السجن. ومع أن معظم المقاتلين الأردنيين  من الذكور،  إلا أن هناك عدد قليل جدا من الإناث عاد بعضهن. وبشكل عام تشير تقديرات لدبلوماسيين وصحفيين في الأردن عام 2015م الى أن عدد الأشخاص الأردنيين الذين يتعاطفون مع الجماعات الجهادية يتراوح ما بين 6000 إلى 7000 شخص ([3]). وبالطبع فأن هذا الرقم يبقى تقديرات غير رسمية ويتفاوت بين مصدر وأخر في ظل عدم وجود إحصائيات رسمية من قبل السلطات الأردنية وخاصة الأجهزة الأمنية المعنية بملف الإرهاب (الداخلي/الخارجي)وتحديداً دائرة المخابرات العامة المسؤولة تاريخياً عن ملف الإرهاب ، حتى وأن دخلت أطراف فاعلة أخرى على الملف مثل القوات المسلحة من خلال  الاستخبارات العسكرية ،والأمن العام من خلال الأمن الوقائي ،والبحث الجنائي.

ويعتبر تنظيما داعش ، وجبهة النصرة  في الحقبة الحالية من عولمة الإرهاب والتطرف العنيف ؛ الخطر الرئيس على أمن الأردن ، بعد أن خلت الساحة منذ أواخر التسعينيات من خطر الجماعات الإرهابية اليسارية والقومية والفلسطينية ،وقامت جماعات  ما يسمى “السلفية الجهادية” المقاتلة التابعة لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش  بملء الفراغ.

هنالك عدد كبير من الأردنيين المنخرطين في القتال مع جبهة النصرة وتنظيم داعش، وإن كانت الأعداد المعلنة غير مؤكّدة أو دقيقة، ففي حين تقدرهم أوساط السلفية الجهادية بحدود 2500-3000 شخص، فإنّ أوساطاً رسمية تقدر العدد بين 1500-1200 شخصاً، كثير منهم في البداية ذهب إلى النصرة، لكنّ الموجات الأخيرة التي استطاعت الوصول أو حاولت الالتحاق فإنّها انضمت إلى تنظيم داعش، أي أنّ الاتجاه الصاعد في أوساط التيار السلفي الجهادي هو الداعشي وليس جبهة النصرة ([4]).

ويشكل الاختلاف والتباينات بين “الأطراف الفاعلة من الدول” اهم محددات نجاح أو فشل برامج إعادة التأهيل وكيفية التعامل مع عودة “المقاتلين الارهابيين الأجانب” الى بلدهم وإخضاعهم لهذه البرامج.

وهذا ما لاحظته  في نقاشات الأمم المتحدة مؤخراً  في افتتاح المؤتمر الأول  الأمم المتحدة رفيع المستوى لمكافحة الإرهاب، الذي عقد بتاريخ (26-28-حزيران –يونيو 2018) في بيان السفيرة د. سيما بحوث المندوب الدائم للمملكة الأردنية الهاشمية في افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة رفيع المستوى لمكافحة الإرهاب، بصفتها الميسر المشارك للمراجعة السادسة لاستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب التي أشارت بوضوح الى هذه الخلافات التي تؤثر سلباً على ملف مكافحة التطرف العنيف والارهاب ، وتأهيل وإدماج الارهابيين ،عندما قالت  ( ورغم الاختلاف الشديد في وجهات النظر بين الدول الأعضاء خلال عملية التفاوض فقد تمكنا من تحديث قرار المراجعة السادسة بمواضيع مهمة مثل معالجة “عودة المقاتلين الارهابيين الأجانب”، وبناء القدرات للدول الأعضاء، والتصدي لرواية الارهابيين، وتمويل الإرهاب، وبالنسبة لأحد أكثر المواضيع حساسية وهو التطرف العنيف، والولاية المنوطة بمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وعلى الرغم من تقارب وجهات النظر بين الدول الأعضاء في أهمية الوقاية من التطرف العنيف ومعالجة جميع الأسباب المؤدية للإرهاب فلم يتم تحقيق التقدم المنشود وتم الاتفاق على العودة إلى اللغة المتوافق عليها في قرار المراجعة الخامسة… ولهذا فأنني أدعو المؤتمرين إلى تناسي الخلافات السياسية بين دولهم خلال فترة المؤتمر، والعمل مع جميع الشركاء بروح الفريق الواحد، وأن نضع أمام أعيننا ما يجمعنا ويوحدنا من قيم الإنسانية العظيمة المتمثلة في المحبة والعدالة والسلام)([5]).

السؤال هو الى أين سيذهب هؤلاء ؟

في ضوء الارتفاع المحتمل للعمليات الإرهابية على المستوى المحلي ، واحتمال عودة المزيد من المقاتلين الأردنيين الى الأردن ؛ أعتقد بأنه  يجدر بنا إعادة النظر في تلك الإستراتيجية الوطنية وتقيمها، والمراجعة الدائمة والشاملة لبرنامج إعادة التأهيل الذي يعتمد على مخرجاتها حالياً، نظرا لان بنية تلك الإستراتيجية قد صيغت بطريقة دينية وعظّية، ومعظم بنودها مرتبطة فقط بتحسين ظروف وبيئة العمل في الوزارات والمؤسسات المشاركة في الإستراتيجية، وليس في كيفية معالجة الإرهاب والتطرف، وإعادة تأهيل  الارهابيين والمتطرفين دينياً.

وحتى يتسنى لتلك الإستراتيجية أن تنجح، فمن الضروري إخضاعها لمبدأ الشفافية والتقييم النقدي، والتغذية الراجعة، وتسهيل حصول الباحثين والدارسين والإعلاميين على المعلومات اللازمة حوله ضمن إطار المبدأ المعروف “الحاجة إلى المعرفة” بما يساهم في النهاية في تشارك كافة الأطراف الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في مسيرة مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف دون المساس بالأمن الوطني أو الدولي. كما يجب تعزيز تلك الإستراتيجية بخبراء في علم نفس والسياسة، والاجتماع والشريعة، وأشخاص خبراء في الإرهاب والتطرف العنيف مؤهلون للحوار والنقاش مع حملة الأفكار الإرهابية. ومن ثم، فإن إشراك قطاعات واسعة من المجتمع الأردني بشكل يتجاوز القنوات الحكومية التقليدية، سيساعد السياسية الأردنية في مجال مكافحة الإرهاب لأن تصبح أكثر فعالية وأكثر مراعاة للتهديدات الحالية والمستقبلية.

حلول واقتراحات أولية

حتى يمكن للتجربة الأردنية في مكافحة التطرف العنيف وصياغة برنامج فعال في إعادة التأهيل والإدماج والرعاية اللاحقة أن تنجح ، أو على الأقل أن تشكل برنامج واضح المعالم ويشار اليه في الأوساط الدولية ، لا بد من طرح بعض الاقتراحات وهي :

1– منع احتكار الفضاء العام الديني، ونزع سيطرة المؤسسة الدينية على ملف مكافحة التطرف الديني العنيف، والتوسع بإشراك مختلف الجهات والأطراف الفاعلة من أفراد ومؤسسات مجتمع مدني في الملف . والتأكيد على أن هذا الملف ليس حقلاً أو ملفاً دينياً خالصاً ؛ بل هو ملف مجتمعي يهم كافة الأطراف ومكونات المجتمع المسلم وغير المسلم في الأردن والعالم الذي اصبح بتسارع شديد عميق وواسع الترابط بفعل آليات العولمة التكنولوجية .

2-ضرورة إدامة التنسيق المشترك مع “الأمم المتحدة” من خلال مكتب مكافحة الإرهاب بخصوص الحصول على الدعم المالي والمشورة والتدريب.

3-تشكيل لجان علمية متخصصة من مختلف التخصصات العلمية والعلوم الإنسانية للمشاركة في برامج إعادة التأهيل والإدماج والرعاية اللاحقة.

4- القيام بحملة إعلامية وتثقيفية واسعة في وسائل الإعلام حول أهمية استخدام الوسائل و”القوة الناعمة” ،وعدم حصر معالجة التطرف العنيف والارهاب  بالقوة الصلبة من خلال الأساليب الأمنية والعسكرية  خاصة في برامج إعادة التأهيل كجزء مهم ومكمل في جهود مكافحة التطرف العنيف والارهاب .

5- الشفافية وحرية الوصول الى المعلومات حول تفاصيل البرنامج المعمول به حاليا ونشر ما تم إنجازه حتى يتم تقيمه والحكم عليه نجاحا أم فشل. وتمكين الباحثين والدارسين من الحصول على المعلومات التي تهم المجتمع مع المحافظة على مبدأ حق الحصول على المعلومة وحق الحاجة الى المعرفة الاستخباري بما لا يعرض أمن البلاد للخطر .

لماذا يبقى البرنامج سرياً وطي الكتمان طالما أنه ممول من “وكالة الإنماء الدولي”؟!

6- ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية الكثيرة  في هذا المجال.

 

 

 

 

[1] – Al-Sharafat, Saud (2018), Terrorists, Not Kharijites The Washington Institute for Near East Policy, https://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/terrorists-not-kharijites.

[2] –  أخبار الأمم المتحدة، غم الهزائم، تنظيم داعش ما زال يهدد السلم والأمن الدوليين ،على الرابط :

https://news.un.org/ar/story/2018/08/1015412

[3] – Anne, Speckhard(2017) The Jihad in Jordan: Drivers of Radicalization into Violent Extremism in Jordan, The International Center for the Study of Violent Extremism (ICSVE), http://www.icsve.org/research-reports/the-jihad-in-jordan-drivers-of-radicalization-into-violent-extremism-in-jordan/.p.1.

This report is based on in-depth research interviews conducted by “Anne Speckhard” throughout Jordan in November 2016 and February 2017 with security and counter-terrorism experts, journalists, mental healthcare workers, diplomats, youth, military, terrorist ideologues and parents of those who spent time fighting with terrorist groups in Syria and Iraq as well as a review of available English language reports on violent extremism as it pertains to Jordan.

 

 

[4] – حسين هزاع المجالي، محمد أبو رمان (2016) .صحيفة الغد الأردنية ، مركز الدراسات الاستراتيجية في- الجامعة الأردنية ،سلسلة أوراق العمل. دروس من الحدث في مكافحة الإرهاب والتطرف..

على الرابط:

http://www.alghad.com/articles/1025072-%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81.

[5]– بيان السفيرة د. سيما بحوث المندوب الدائم للمملكة الأردنية الهاشمية في افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة رفيع المستوى لمكافحة الإرهاب

https://www.un.org/counterterrorism/ctitf/sites/www.un.org.counterterrorism.ctitf/files/S1-Jordan-opening-remarks.pdf


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply