كل شيئ مُلتهب على الحدود الشمالية الشرقية للأردن

0

العميد الدكتور سعود الشَرَفات

مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب

عمان-الأردن

يُذكر عنوان المقال بعنوان رواية “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” للروائي الألماني أريك ماريا ريماك، التي تتحدث عن أهوال الحرب العالمية الأولى، لكن العنوان تحوّل في اللغة الإنكليزية الدارجة إلى تعبير مجازي عن استمرار حالة الركود والحاجة الى تغير ملموس. 

قد يكون من التعسف مقارنة أهوال الحرب العالمية الأولى بما يجري من صرعات عسكرية مسلحة ذات وتيرة منخفضة في مثلث الحدود الأردنية – السورية – العراقية. لكن، من الانصاف أيضاً التحذير من أن التفاعلات السياسية والعسكرية في العمق تدفعنا أحياناً إلى حافة التشاؤم من مستقبل الأوضاع في هذا المثلث الحدودي الصحراوي المقفر.

يكفي أن نذكر بأن هذا المثلث تحوّل في 28 كانون الثاني/يناير 2024 إلى مركز اهتمام العالم عقب قيام ما يسمى “المقاومة الإسلامية في العراق” الموالية للنظام الإيراني بمهاجمة قاعدة البرج 22 الأميركية داخل الأراضي الأردنية. وقد أدى هذا الهجوم الإرهابي الى مقتل ثلاثة عسكريين أميركيين وجرح آخرين. فردت الولايات المتحدة سريعاً باستهداف 85 هدفاً في 7 مواقع مختلفة في العراق وسوريا مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والفصائل التابعة له، الأمر الذي أخرس هذه الفصائل، على الأقل حتى الآن.

لقد شكل هذا “الحدث” غير المتوقع عنصر قلق أمني لكافة الأطراف الفاعلة في ملف مثلث الحدود، لا بل يمكن أن يتجاوز القلق إلى ساحات أوسع في الشرق الأوسط والعالم. ويمكن القول بأن الأوزان النسبية لحجم هذا القلق الأمني تختلف من طرفٍ إلى آخر، لكنّ كافة الأطراف معنية برصد وتحليل كل ما يستجد في تلك المنطقة.

إنّ الحرب تتطور نتيجة آلياتها الذاتية، وكثيراً ما تنزلق إلى مستويات غير متوقعة ويفلت زمام السيطرة عليها من كافة أطراف إدارتها، ولعله من نافل القول بأن الخوف الحقيقي يأتي من سلسلة التداعيات والتفاعلات المتتالية التي ستنتج مستقبلاً عن هذا الحدث وستنعكس نتائجه على كافة الأطراف الفاعلة وبمستويات مختلفة من التأثير والأهمية .

فإذا أمعنّا النظر في خريطة الأطراف الفاعلة في المشهد العام، فإننا نلاحظ أن أميركا مثلاً معنية ببقاء حالة الاستقرار، أو الركود الأمني النسبي الموجودة حالياً والمحافظة عليها من أي تغير جوهري؛ خاصة في ظل الظروف السياسية الحالية من الحرب في أكرانيا، إلى الحرب في غزة، وصولاً لحملة الانتخابات الرئاسية. وهي تعلم علم اليقين بأن خصمها الرئيس في هذا الملف هو إيران. لكن، يبقى لأميركا وضعية خاصة في هذا الملف تتجلى بأنها عامل الربط المشترك الذي يحافظ حتى الآن على معادلة التوازن المرن لدى كافة الأطراف، وأي إخلال بهذا التوازن سيكون لمصلحة المنافسين المتربصين بها خاصة ايران وروسيا.

ومن هنا، فإن أخطر سيناريو عقب هذا الحدث هو حصول إنسحاب أميركي من العراق وسوريا، إذ سيكون كابوساً كارثياً على الأردن ثم على الكرد في سوريا وحتى على كردستان العراق، ذلك أن الفراغ الذي سيتركه الأميركان ستملؤه إيران والجماعات المسلحة الشيعية الموالية لها، بالاضافة إلى روسيا، والنظام السوري  وتركيا، وفلول الجماعات الإرهابية التي ما زلت موجودة في العراق وسوريا .

إن نظرة تحليلية مستقبلية لحالة وتموضع الأطراف الفاعلة أعلاه يمكن أن تعطينا بعض المؤشرات على الاتجاهات التي قد تظهر  تباعاً في المستقبل القريب.

فإذا جئنا إلى الأردن؛ سنلاحظ بأنه يخشى  من انزلاق  الأوضاع على مثلث الحدود إلى صراع مسلح  وعمليات استنزاف مستمرة يمكن أن تتحول إلى ساحة حرب بالوكالة لإيران تشبه تلك الموجودة في جنوب لبنان بين حزب الله اللبناني وإسرائيل  والحوثيين في اليمن. لكن، يبقى أن نقول بأن عملية استهداف القاعدة الأميركية في الأردن، ربما، ستساهم في إعادة تفكير وتقييم الحليف الأميركي للمخاطر التي تواجه الأمن القومي الأردني وأمن قواعدها في الأردن وتأخذها على محمل الجد.

 وشبيهه بحالة الأردن؛ ربما يكون الكرد والعرب المنخرطين في قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، والحلفاء الأكثر فعالية وموثوقية للطرف الأميركي في سوريا  منذ أواخر 2015 كأكثر الخاسرين من انزلاق التصعيد في مثلث الحدود إلى حرب واسعة، ومن سيناريو الانسحاب الأميركي من العراق وسوريا، خاصة وأن كافة الأطراف الإقليمية تتربص بهم وتتنظر الفرصة المناسبة للانقضاض عليهم وعلى مشروعهم.

ومن المؤكد بأن تركيا ستستغل أي إخلال بمعادلة التوازن على مثلث الحدود لمصلحتها الشخصية وستستمر بالضغط العسكري العنيف على الكرد ليس في شمال سوريا فقط، بل في كافة الساحات.

وبالنظر الى الأدوار الكبيرة التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب، خاصة في ملف مكافحة الإرهاب، والإشراف على مخيمات احتجاز الإرهابيين في شمال سوريا التي تحتجز آلاف الإرهابين وعائلاتهم من فلول تنظيم داعش  فإن السؤال الذي يبرز على الفور هو: ماذا سيحصل للكرد ومشروعهم القومي إذا انسحبت أميركا من سوريا والعراق وفقدوا الغطاء والدعم الأميركي، وماذا سيحل بمخيمات ومراكز اعتقال الإرهابين، وكيف سيعالج العالم هذه المعضلة وقد تركها منذ عقد من الزمن قنبلة موقوتة في يدي الكرد لوحدهم؟

إن سيناريو عدم قدرة “قسد” في ظل غياب الدعم الأميركي لهم في هذا الملف سيخلق مشكلة دولية عميقة لكافة الدول التي لها معتقلين من جنسياتها في معسكرات ومخيمات الاعتقال. واحتمال خروج أو فرار آلاف الإرهابين مثلما حصل مثلاً في عملية الهجوم على سجن غويران-الحسكة عام 2022. وهو ما سيعيد حتماً خطر التهديد الإرهابي مرة أخرى لمنطقة المثلث الحدودي وربما يتجاوزه. فهل تستطيع الإدارة الذاتية والكرد بمفردهما محاربة التدخل التركي في شمال شرق سوريا، خاصة اذا حصل تطبيع للعلاقات بين دمشق وأنقرة، وفلول تنظيم داعش ،و”هيئة تحرير الشام” وإمارتها في شمال غرب سوريا؟

إن البديل الأكثر احتمالاً لسيطرة قسد الحالية في شمال شرق سوريا، هو دخول وسيطرة المليشيات والجماعات الشيعية المسلحة الموالية للنظام الايراني .

وفيما تُبقي روسيا، رغم إنشغالها في الحرب في أوكرانيا، على موطئ قدمها الصلب في الملف السوري في ظل تعثر العملية السياسية؛ فإن النظام الإيراني والجماعات الشيعية المسلحة الموالية له في العراق وسوريا ولبنان، في ظل ثبات العوامل الأخرى، يبرز كمستفيد أول من الانسحاب الأميركي من المنطقة والاحتمال الكبير من انزلاق المنطقة إلى موجة أوسع من التصعيد العسكري وحملات الانتقام والتهديد الإرهابي للأمن القومي لكل من الأردن والكرد  على السواء، خاصة إذا استمرت الحرب في غزة التي خلطت الأوراق في المنطقة وما زالت تداعياتها مفتوحة.

المصدر: سبق ان نشر هذا المقال في موقع نورث برس على الرابط:https://npasyria.com/181719/


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Comments are closed.