سيرورة العولمة (Globalization Process)
يؤكد كثير من الباحثين المهتمين بدراسة العولمة على أن المشكلة التي تواجه الباحثين والمهتمين عند دراسة العولمة تبدأ من قضية تعريف المفاهيم؛ إذ لا يمكن دراسة العلاقات الدولية في مجتمع العولمة أو فهمها فهماً إيجابياً دون المزاوجة بين سلسلة من المعارف والتجارب التاريخية، القانونية العلمية، والنظرية السياسية، ولا يمكن فهم مجتمع العولمة دون أن نعرف شيئاً عن جميع هذه الموضوعات، وكيفية الترابط فيما بينها([1]).
ويرى (مارتن شو: 2006, Marten Shaw) بأن العولمة قد أدركت، وتمّ التعامل معها على نطاق واسع على: أنها مفهوم ” مكانيّ ـ زماني ” Time-Spatial”، وهو ما أكده (شولت 2006، Scholt)، ذلك أن العولمة بالنسبة له تعني: ” عملية تحويل لجغرافية المجتمع” الموسومة بواسطة نمو الفضاءات فوق الإقليمية” مع إدراك شولت بأن الإقليمية وفوق الإقليمية ينتصبان في الوقت نفسه مع بعضهما ضمن علاقة معقدة([2]).
لذلك يرى أن فهم العولمة يتضمن النموّ المتزايد لعملية تجاوز الحدود (Transcendence Of Borders) أكثر منها عملية للحدود المفتوحة، أو علاقات عبور للحدود([3]).
وحسب وجهة نظر(أنتوني جيدنز) فإن العولمة بدأت بإطلاق أول الأقمار الصناعية للاتصالات في الستينات، والحصول على أول صور للكرة الأرضية من الفضاء الخارجي عام 1966 ([4])، وحسب منظمة التعاون والتطوير الاقتصاديّ (OECD): فإن العولمة هي الإجرائية التي يزداد من خلالها الترابط البيئيّ للأسواق والإنتاج في كثير من الدول، وذلك نتيجة لديناميكية تبادل السلع والخدمات وحركة رأس المال والتكنولوجيا([5]).
ورغم قناعتنا بأن الاقتصاد يمكن أن يكون أقوى أبعاد العولمة، إلا أن دراسة أثر العولمة على الإرهاب، والعكس ستكون قاصرة ومتحيزة، إذا قصرنا العولمة على أنها سوق اقتصادية يتلاعب بها ويحركها ميكانيزم العرض والطلب فقط، أو يحتويها تعريف متحيز كتعريف الـ (OECD) أعلاه، الذي بدا لبعض منظري العولمة مثل (روزابيث موس كانتر: Kanter, 1995) “محدداً”، إذ أشارت إلى أن رؤية العولمة من هذا المنظور تنجم عن رؤيتنا للعالم وكأنه مجرد سوق كبيرة أبعادها معولمة”([6]).
لذلك ترى كانتر (1995, (Kanter بأن العولمة ” لا تعني الترابط المتزايد، بل تنطوي أيضا على قضايا ثقافية وذاتية، بمعنى مدى وعمق الوعي بأن العالم مجال واحد([7]).
وفي إشارة مكثفة جداً يمكن أن تستوعب وجهة العولمة الحالية أو تجسدها ، يرى أحد الباحثين ” أن الفردية وحقوق الفرد المميز ومزاياه أحد عناصر العولمة الهامة، ففي اقتراع لإذاعة BBC)) البريطانية واسعة الانتشار، حول ما هو أكثر مفردات القرن العشرين استخداماً، جاءت معظم الإجابات أنها كلمة ” فرديّ”؛ بمعنى تفعيل دور الفرد على حساب الجماعة ابتداءً من تحقيق الذات والتمتع بالصحة والثروة، وانتهاء بحرية حمل السلاح وخلق الصراعات الحديثة، على خلفية التمايز الفرديّ “([8]).
ويُعبر ثيرمان شانمو غراتنام (Tharman Shanmu Garatnam ) وزير التعليم في سنغافورة التي تعدّ الدولة رقم واحد في التصنيف العالميّ بالنسبة لمؤشرات العولمة سنتي 2005 و 2006 ، فهو على النقيض من (توماس فريدمان) يحاجج بأن “العالم ليس مسطحاً([9])، بل عالم من الهضاب والوديان، وأنه في الوقت الذي تزداد فيه هذه الهضاب ارتفاعاً، فإن الوديان تزداد عمقاً”([10]).
[1]. جاكسون، روبرت، “ميثاق العولمة: سلوك الإنسان في عالم عامر بالدول”،, تعريب فاضل جتكر، العبيكان للنشر، الرياض، 2003، ص9.
[2] . Shaw, Marten, Jan Art Scholt, “Globalization: A Critical Introduction, Draft Of Rview For Millennium”: Journal Of International Studies, 2006,P.1.
[3]. Scholt, Jan Aart, “Global Capitalism And State”, International Affairs, V.73, N 3,July 1997.P2-4.
[4]. بيليس، جون وسميث، ستيف، “عولمة السياسة العالمية”، ترجمة ونشر مركز الخليج للأبحاث، دبي، 2004، ص33.
[5]. كيركبرايد، بول،” العولمة, الضغوط الخارجية”، تعريب رياض الأبرش، مكتبة العبيكان، الرياض، 2003، ص338.
[6] . المرجع نفسه، 348 .
[7]. بيليس وستيف، مرجع سابق، ص29.
[8] . كيركبرايد بول، مرجع سابق، ص ص33-34.
[9]. إشارة إلى كتاب فريدمان الأخير “عالم مسطح”.
[10].Zakaria, Fareed, “We All Have Alot To Learn”, Newsweek International, January 9-2006,P.9.