من يجرؤ على الكلام؟

0

العميد المتقاعد الدكتور سعود الشرفات

مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب

واحدة من أخطر خدع القرن الحالي هي تلك الخدعة التي انطلت – حتى الآن – على الشعوب العربية كافة، والفلسطينيين خاصة ؛ وهي تكرار ترديد مقولة “إن نتنياهو ينفرد بقرار الحرب واستمرارها في غزة، وأنه يهرب إلى الأمام من الملاحقة القانونية والبحث عن تامين مستقبله السياسي”، وكأن أغلبية الإسرائيليين يعارضون الحرب، ولا يريدون القضاء على حماس! علماً بأن أخر استطلاع أجراه “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” أواخر كانون الأول 2024م قال إن 56 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع قالوا إن استمرار الهجوم العسكري هو أفضل وسيلة لاستعادة الرهائن من حماس.
من المؤكد أن المقولة أعلاه هي عامل واحد فقط من عوامل الحرب واستمرارها في غزة بهذه الفظاعة وإرهاب الدولة. لكن هناك مصفوفة طويلة من العوامل الأخرى التي لها أوزان نسبية أكثر وأهم بالنسبة لإسرائيل؛ خاصة الليكود المتطرف صاحب نظرية” الجدار الحديدي” الذي يرفض التخلي عن حلم أرض إسرائيل الكبرى، ويرفض منذ عقود السلام مع الفلسطينيين إلا بشروطه هو. ويُعتبر نتنياهو خلال العقدين الماضيين زعيم، ومُنظّر هذا الاتجاه الذي اكتسب زخماً كبيراً خاصة بعد تحالفه مع اليمين الديني المتطرف.
يتألف لب الخديعة الكبرى من شقين. الأول ويتجلى في عملية الضخ الإعلامي الهائل عبر وسائل الإعلام ومراكز الدراسات والمحللين السياسيين في الغرب والتي تبعتها وسائل الإعلام العربية سواء عن علم أو جهل وتقول باختصار ” إن إسرائيل فشلت حتى الآن في الحرب على غزة بحجة أنها لم تُحقق أهدافها المُعلنة بالقضاء على حماس واستعادة الرهائن”.
وهنا مكمن الخديعة والمكر الإسرائيلي في دغدغة المشاعر العربية وإغراقها في الوهم والاحلام والاسترخاء. فطالما ان إسرائيل لم تقتل قادة حماس الواحد تلو الأخرى ولم تبقّ منهم أحد وطالما بقوا أحياء، فليس مهما حجم الدمار والخراب وكم يقتل أو يجرح من المواطنين الفلسطينيين المدنيين الأبرياء.
وبهذا التكتيك يتم بشكلٍ مُمنهج ومدروس تنفيذ عملية الخداع المعرفي الواسع والعميق (الإسرائيلي – الغربي) والقائم على المسح، والشطب المُمنهج لصور الدمار والخراب، وصياح الأطفال والنساء والشيوخ، والمقابر الجماعية، والاف الشهداء والجرحى وجعلت منهم مجرد رقم وعدد مجرد، ومن الدمار والخراب مجرد صورة عابرة في نشرات الاخبار والشعارات و”اليافطات” التي ترفع في المظاهرات والاعتصامات. في مقابل ببيع الجماهير العربية نصراً وهمياً وكاذباً، بالادعاء أن إسرائيل لم تنتصر في الحرب لأنها لم تحقق أهدافها. والخطير في هذه الرواية الخبيثة أنها ما زالت للأسف تعطي إسرائيل الذرائع والأسباب لاستمرار حربها على غزة والأراضي المحتلة.
الشق الثاني من الخديعة؛ أن إسرائيل (والغرب المؤيد لها)، وصلوا إلى خلاصة تقوم على أن نتنياهو تورط في هذه الحرب البائسة بحيث لا يمكنه العودة أو التراجع، ولا يمكن البحث عن بديل مناسب له الآن وسط الحرب والمفاوضات الجارية. لذلك لا بد من تركه لمواصلة جنونه؛ لا بل ودعمه أيضا بما يريد من أموال وسلاح حتى النهاية فإذا نجح قالوا له برافو بيبي.. والآن حان موعد راحتك. وربما يعود للعيش والعمل في أمريكا في مراكز الدراسات ويؤلف مذكراته. أما إذا فشل فأنهم سيحولونه إلى ” كبش فداء” وسيتحمل أوزار هذه الحرب وعار الهزيمة لوحده؛ وستغسل اسرائيل عار جسدها الخشن وهزيمتها العسكرية والأخلاقية على حساب نتنياهو. وبالمناسبة؛ إسرائيل بارعة في ذلك وقد فعلتها في كثير من المرات سابقا في اطار صراعها مع الأردن ومصر وسوريا ولبنان.
وهكذا نعود إلى نقطة الصفر؛ حيث يتحاور” الإخوة كارامازوف” مرة في روسيا ، وأخرى في الصين! وتستمر احتفالات النصر الكاذبة ، ولا بأس أن نطلب من امريكا التدخل والضغط على إسرائيل لوقف الحرب، وأمريكا – ربما- تدعو إلى عقد مؤتمر للسلام بعد إجراء الانتخابات.
وهكذا يستمر الحال بنا في أتون هذه الحرب وهذا الجحيم. فربما يكون في الجحيم نافذة على الجنة كما يقول الأمام أبو حامد الغزالي.


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Comments are closed.